- بقلم :د. ميلاد جبران البصير
عبارة وحكمة رددناها وما زلنا نرددها بشكل شبه يومي لنثبت أولا لانفسنا وفيما بعد للاخرين أننا مجتمع متحضر يحترم ويقيم التعددية الدينية ويحترم الاختلاف في العقائد، ولكن وللاسف لظاهر أن الرياح تجري بعكس ما تشتهي السفن.من الطبيعي أن يتسائل المرء ما دخل تكسير رؤوس الأسود بمدينة رام الله هذا اليوم في الدين والديانات ؟
ما حدث في الاعوام الماضية وعندما تم تدمير شجره عيد الميلاد في نصف رام الله وعندما تم الاعتداء على كنيسة في الداخل المحتل وما حدث قبل بضعة أيام في بيت جالا وما حدث اليوم في وسط مدينة رام الله من تدمير الأسود في ميدان المناره في وضح النهار وما يحدث في بعض القرى والمدن الفلسطينية كلها ليست فقط مؤشرات بل دلائل واضحه تشير إلى المنعطف الخطير الذي نسير ويسير به مشروعنا الوطني.
ما الفرق بما فعلته طالبان في افغانستان قبل عدة أعوام عندما دمروا التحف الاثرية كونها أصنام حسب اعتقادهم، وداعش ما فعلته في سوريا والعراق في السنوات الاخيرة وما حدث في بيت جالا ورام الله ؟ لا يوجد أي فرق، هناك صنم وهنا صنم، هناك كفار وهنا كفار، هناك الاماره الاسلامية وهنا الامارة الاسلامية. تتكرر الاحداث والسبب هو نفسه. الفرق الوحيد الذي لا يمكننا أن لا نأخذه بعين الاعتبار هو عامل التاريخ الذي يميز الشعب الفلسطيني عن باقي شعوب المنطقة والذي اثبت وعلى مر العصور أننا شعب واحد موحد بتاريخ واحد ومصير واحد.
منذ عهد الصليبيين كانت المحاولات عديدة في خلق شرخ في داخل المجتمع الفلسطيني بتقسيمهم وزرع روح الفتنة الطائفية بين المسيحي والمسلم ، فشل الصليبيين وكانت الهوية الوطنية الفلسطينية اقوى من كل تلك النزاعات فلم يقع مسيحيو فلسطين بهذه المصيده، حاول بعدهم الاتراك وذلك من خلال تضيق الخناق على مسيحي فلسطين لاجبارهم على الاسلام ولم ينجحوا بذلك وجاء بعدهم الاستعمار الانجليزي والذي حاول جاهدا لاحتقار العديد من المهن مثل مهنة الطب والتعليم في يد المسيحين وذلك لمحاولته الفاشلة لخلق طبقة حاكمة منهم وتكون موالية لبريطانيا . فشلت ايضا بريطانيا فكان المسيحيون ينضمون باعداد كبيرة إلى المقاومة ضد الاستعمار الانجليزي. جاء من بعدهم الاحتلال الاسرائيلي والذي هو ايضا حاول جاهدا لتفريق وتمزيق اللحمة الفلسطينيه وزرع النزعة والطائفية بين المسلم والمسيحي فكانت النتيجه كما يعرفها الجميع مما افرزه المجتمع الفلسطيني ليس فقط من مقاومين بل قياديين على المستوى الفلسطيني بل العربي ايضا.
إن ما يحدث اليوم في بعض القرى والمدن الفلسطينية ذات الوجود المسيحي لهو ايضا جزء من عمل وخطة يتم تنفيذها تدريجياً للتخلص والقضاءعلى ما يسمى التعايش السلمي والمثالي بين الاديان بفلسطين ففي بعض هذه المدن والقرى يوجد حملة تجارة في الاملاك والعقارات بأسعار خيالية لا يوجد لها مثيل حتى في اوروبا. في نفس الوقت يتم تلاشي واهمال الامثلة الرائعة والرائدة في العديد من القرى والمدن الفلسطينية حيث تقرع اجراس الكنيسة بعد رفع الاذان من المسجد حيث الاحترام المتبادل والتعايش المثالي والذي كنا روادين به نحن الفلسطينيين .
للاسف الشديد الظاهر أن المضاد أو المناعة لحيوية الفلسطينية قد فقدت فعاليتها أو ضعفت في الاونة الاخيرة ومحل ما فشل المستعمر ها نحن ننفذه وبدون أي عائق فأصبح حرق الكنيسة، وتدمير شجرة عيد الميلاد والاعتداء على المطعم وكسر رؤوس الأسود في رام الله تحت وبإسم شعار الدين الواحد الموحد والغير قابل للاعتراف بالاخرين حتى ولو أنهم كانوا معي في نفس الخندق وفي مسيره التحرير. فهل هذا يعقل أن يحدث لشعب يتباهى امام العالم اجمع بمسيرته النضالية ذات ١٠٠ عام من التاريخ ؟
شخصيا تصلني اخبار وتعليقات واقرأ ومطلع على اجراءات وتصرفات لا تليق بنا كشعب، إني اشعر أننا على حافة الهاوية ليس بسبب سياسة الاحتلال والتي تواجه مناعة لا مثيل لها من مجتمعنا الفلسطيني بكافة شرائحه في الداخل والخارج بل بسبب اهمالنا وتجاهلنا وجهلنا وعدم فهمنا وعدم قدرتنا على تسبق الاحداث ومحاولة تقوية المناعة المجتمعية ضد افكار الجهل والجهال، لأننا فشلنا في بناء سد مانع يحمي مسيرتنا ومجتمعنا.لم ننجح في فهم توجهات المجتمع ولم نفعل شيء لتصحيح تلك المسيرة ، لم نسن القوانين الكافية بهذا الخصوص لحماية مجتمعنا .
حاولت مرات عديدة في الماضي اثاره هذا الموضوع ولكن للاسف لم اجد اذان صاغيا، يتم الاعتداء يوميا على مقدساتنا الاسلامية والمسيحية وفي كثير من الاحيان نقف عاجزين عن المواجهه خوفا وجبنا وعدم قدرة ايضا ولكننا نجد القوة والشجاعة والارادة بتدمير صرح حضاري أو نعتدي أو نستهزء في شعائرنا الدينية. إن رياح النزعة الدينية والطائفية وصلت وللاسف إلى فلسطين. إن ما يحدث مثير ومقلق للغاية واعتقد أنه لا يستبعد ابدا أن تكون خلف هذة الاحداث أيادي وعقول مدبره تهدف ليست إلى حل النزاع أو إدارته بل تغير اتجاه بوصلة النزاع نفسه متبعين مبدأ فرق تسد آو فخار يكسر بعضه. هكذا تنتشر الطائفية الدينية والقبلية والعشائرية ونقسم انفسنا ما بين المدينة والقرية والمخيم والعائد والنازح واللاجئ الخ ،وهكذا تخلق وتطبق دولة الاحتلال سياسة الامر الواقع على الارض فتقسم زمنيا ومكانيا مقدساتنا وتستولي على ما تبقى من أرضنا أما الهدف الاخر يمكن أن يكون جزء من استراتيجية اقليمية وعالمية تهدف إلى تفريغ فلسطين من مواطنيها الفلسطينيين المسيحين وأن هذة الاستراتيجية تشمل كافة عالمنا العربي. في ظل هذة التطورات يتطلب تكريس الوقت والتمويل والسياسة والبحث العلمي والقانوني للجبهة الداخلية ومحاولة اعادة التركيبة المجتمعية الفلسطينية على أسس وقواعد ومبادئ التعايش السلمي والوحدة الوطنية والمصير المشترك لكافة أبناء شعبنا بجميع مكوناته الثقافية والعرقية والدينية لأن ذلك يسمح لنا في بناء حصنا منيعا لمواجهته ليس الجهل والجهلاء فقط بل ايضا يسمح لنا مواجهة التحديات الكبيرة والكثيرة التي تمر بها قضيتنا العادلة.
* عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني اقليم ايطاليا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت