اليرموك والأخرس سليمان

بقلم: علي بدوان

الأخرس سليمان
  • بقلم علي بدوان عضو اتحاد الكتاب العرب


من منّا، نحن أهالي مخيم اليرموك، من سكانه اللاجئين الفلسطينيين المنغرسين فيه وبين دواخله، لايعرف الأخرس (سليمان نايف سليمان). الشاب الفلسطيني السنحة، والهيئة، والقامة، والنظرة، والطموح، والعلة، والــ (sistem)، الطبراني إبن الطبراني، الذي كان منذ سنوات طويلة وقبل محنة اليرموك، يُشكِّلُ بحركته اليومية في شوارع وأزقة مخيم اليرموك، حضوراً بين الناس، وخصوصاً في المظاهرات والمسيرات والفعاليات الوطنية وتشييع الشهداء، وإرتداءه الكوفية الشال الفلسطيني. ووضعه الدائم على سترته الرموز والشعارات الوطنية الفلسطينية.

الأخرس (سليمان نايف سليمان) لايَسمع إطلاقاً، لكنه يرى ويدرك ويَشعُر، ويَحمل هويته الوطنية المتأججة، مستوعباً خريطة فلسطين الجغرافية، ويُدرك بأنه فلسطيني وطبراني، من تلك المدينة الفلسطينية المغتصبة، الجاثية على شاطىءٍ البحيرة الجميلة ذات المياه العذبة، والملاصقة لحدود بلده الثاني سورية. ويدرك في بأن فلسطين هي المبتغى والمنتهى، فلسطين الوطن الذي يمتد من رأس الناقورة حتى رفح ومن البحر الى النهر. فلسطين : حيفا وعكا ويافا واللد والرملة وصفد ونابلس وجنين والقدس والخليل والمجدل وغزة وعسقلان والنقب...

الأخرس (سليمان نايف سليمان) كتلة وطنية مُلتهبة،تأسس وعيه الحقيقي دون أن يدرس التاريخ الفلسطيني كقراءة، بل نهل من حياة شعبه ويومياته، فأدرك معنى النكبة، وقد عاش فصولها منذ أن رأت عيناه النور في مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا منتصف خمسينيات القرن الماضي، فكانه وعيه العفوي صادقاً وبريئاً، ففاضت وطنيته الفلسطينية، وهو الذي لايسمع ولايقرأ.

إستوعب تاريخ شعبه، مع إستشهاد شقيقه الأكبر (الشهيد نصر نايف سليمان) في صفوف حركة فتح أواخر العام 1967 في معركة طوباس، عندما إصطدمت مجموعته الفدائية مع قوات الإحتلال في جبال تلك البلدة الفلسطينية في الضفة الغربية بعد إحتلالها بفترة قصيرة. حيث كان الشهيد (أبو علي إياد) قد دَفَعَ بمجموعات الفدائيين الذين تدربوا في معسكر الهامة بضواحي دمشق للإزدلاف نحو الضفة الغربية عبر الأردن لبناء القواعد الفدائية الإرتكازية في الداخل. فكان شقيقه من أوائل دفعات الشهداء في الثورة الفلسطينية المعاصرة.

الأخرس (سليمان نايف سليمان) فضل في حياته المهنية أن يعمل عاملاً في مشاريع الطرق والبناء على آلة ضغط الهواء (الكومبريسة) في تفتيت الصخور، مستثمراً عدم سماعه لأصواتها المزعجة كي يساعد على إنجاز هذه المهمة الصعبة في مسار قوت حياته اليومي. وهو مامكنه من الزواج والإنجاب ومن بناء عائلة يدير حياتها ويصرف عليها. وأنتقل بعد ذلك في السنوات الأخيرة للعمل في بلدية اليرموك في القسم المختص بتقليم أشجار حدائق اليرموك، والأشجار المزروعة على الأرصفة الى حين مأساة اليرموك الأخيرة.

الجديد في كل هذا أن خرج من مخيم اليرموك عبر البحار، ليصل الى السويد، في نكبة جديدة في مسار التراجيديا الفلسطينية، لكنه أرسل صوره من هناك لمواقع التواصل الإجتماعي مرتدياً كوفيته الفلسطينية، معلناً بإشاراته أن فلسطين ستبقى هي المُبتغى والمنال. وأن الحق لايموت بالتقادم ولايلغيه تجبر ظالم.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت