- بقلم/ د.علي شنن
- أستاذ التخطيط الاستراتيجي والدراسات المستقبلية المساعد .
أما قبل، الكفاح المسلح بين ما حققه السلاح و ما اخفقته السياسة :
لا شك أن التطور الذي طال العديد من المجالات الحياتية في دول العالم مثل مجال الصناعة و الزراعة و الاقتصاد والتكنولوجيا والتعليم و الأسلحة...إلخ، لم يتغافل عن تطوير قطار الكفاح لديها، كما أنه أيضاً لم تقتصر المستحدثات التي قادت العالم إلى التقدم في تلك المجالات دون الالتفات إلى ابتكار طرق كفاحية تواكب هذا التقدم وتتماشى مع معطياته ومؤشراته لتصل به في نهاية المطاف إلى تحقيق أهدافاً تتوافق مع أهداف تلك الدول .
ولعل أول أشكال الكفاح ظهوراً هو الكفاح المسلح التي مارسته العديد من الدول لمناهضة ما تم ممارسته من إستعمار وإغتصاب لاراضيها، وينظر للكفاح المسلح على أنه: "حركة عنف جماهيري موجهة ضد التواجد الاستعماري على أرض معينة يدعو لمواجهة الاحتلال أو الاستعمار أو نظام حكم مستبد بسلاح وطرق عنيفة لازالة الاحتلال أو الاستعمار أو النظام المستبد بالقوة، كما ويدعو هذا الكفاح إلى العمل بالسلاح بمختلف أشكاله و أنواعه لتحرير البلدان المضطهدة من نير الدول الاستعمارية والأنظمة المستبدة ولأثبات حق الشعوب المظلومة وإعادة كرام" .
و قد أقرت الامم المتحدة الكفاح المسلح وإعتبرته مشروعا من أجل إزالة أي احتلال، وهذا ما اتضح جلياً في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 والتي تخلل بنوده حق الشعوب في المقاومة، ففي المادة الأولى من الميثاق الدولي نجد أن هناك أهدافاً ومقاصد أراد تحقيقها هذا الميثاق من قبل الدول العظمى نفسها التي ألزمت باقي الدول بالتوقيع عليه.
ويعتمد الكفاح المسلح في أساليبه وتكتيكاته على العديد من الطرق منها المواجهة المسلحة المباشرة، و العملية العسكرية المنظمة، ونقل المعركة إلى داخل مناطق العدو، والهجمات الفردية المدنية...إلخ، ولعل من أهم الأمثلة على الكفاح المسلح والتي مارسته الدول ضد الإستعمار ( الثورة الفلسطينية المعاصرة والتي بدأت عام 1965 ومستمرة حتى هذه اللحظة) كذلك (الثورة اللبنانية المعاصرة والتي بدأت عام 1982 ومستمرة حتى اللحظة )، ذلك بالاضافة إلى العديد من الثورات مثل الثورة الشيشانية و العراقية و السورية .
وعند تسليط النظر على الكفاح المسلح الفلسطيني والمتمثل في الثورة الفلسطينية المتسلسلة زمنياً منذ عام 1965 وحتى يومنا هذا، نجد أن هذا الكفاح حقق إنجازات في العديد من المحطات وأخفق في محطاتٍ أخرى، فمن جانب عمل الكفاح المسلح الفلسطيني على إعادة توجيه بوصلة دول العالم إلى القضية الفلسطينية وأرغمهم على الإعتراف بالحركة الفلسطينية وبحقها النضالي، كما أنه فتح أبواباً كان قد أغلقها الاحتلال الصهيوني بعد احتلاله واغتصابه للأرض والهوية مثل عودة فلسطين سياسياً كبلد محتل في جميع المحافل السياسية، واعتراف العديد من الدول بحقوق الشعب الفلسطيني في حياة اقتصادية و اجتماعية تضاعي تلك الحياة التي ينعم فيها باقي دول العالم، وان كان ذلك مجرد اعتراف لا يمس للواقع بصلة، ولكن هذا يعد انجازاً للكفاح المسلح .
ولكن؛ مع ذلك الإنجاز الذي حققه الكفاح المسلح لا زالت فلسطين تعاني من الإحتلال، فهل الفترة الزمنية التي قاربت على ستة عقود من الزمن غير كافية لأن يتوج هذا الكفاح بالتحرير؟، ولماذا تلوث هذا الكفاح بانقساماً مريراً عرقل أهدافه وشوه سيرته وقلل من مستواه عند دول العالم؟!، باعتقادي إذا راجعنا التجارب المختلفة والصعبة سنجد بأن الكفاح المسلح لم يكن كافيا، بحد ذاته، للحفاظ على قوة الدفع التي خلقها في سنواته الأولى، حيث لم تلبث هذه التجربة أن أجهضت، ليس بفعل عوامل خارجية فقط، وليس بسبب تفوق إسرائيل من الناحية العسكرية، فحسب، وإنما أيضا بفعل عوامل داخلية، ضمنها، مثلا، تخلف إدارة الوضع الفلسطيني، وعدم ارتباط المقاومة المسلحة بإستراتيجية سياسية وعسكرية واضحة، وسيادة الفوضى والمزاجية في انتهاج هذا الشكل، وهذا ما يستدعي أن يتم استكمال الكفاح السياسي بكفاحاً آخر وبشكل مختلف للتمكن من تحقيق أهداف الثورة الفلسطينية ونضالها الفلسطيني، ولعل الكفاح الناعم هو ما يحتاج إليه الكفاح المسلح لتحقيق ذلك.
أما بعد، الكفاح الناعم طريقاً وطارِقَاً للتحرير:
لم يكُن الكفاح المسلح كافياً في الوصول بالقضية الفلسطينية إلى التحرير، ولم يقف هذا الكفاح طيلة سنواته الماضية على ناصية التطبيق الحقيقي لجميع المعاهدات الدولية التي تم إبرامها ايزاء الفلسطينيين وقضاياهم، ايضاً لم يقوى هذا الكفاح وللأسف على انصاف أي من الشعب أو الأرض أو المقدسات الفلسطينية سواء على الصعيد الدولي والإقليمي، ويمكن أن يعود ذلك إلى جملة من الأسباب لعل أهمها أن عدو الشعب الفلسطيني المتمثل بالكيان الإسرائيلي يعلم جيداً كيف يستعطف شعوب العالم ويستقطبهم سياسياً لتعزيز مواقفة، كذلك أنه يملك أيديولوجية سياسية تجعله يجيد وبقوة توظيف جميع القوى و الوسائل المتاحة لديه في استغلال الإخفاق السياسي الفلسطيني من جانب، وقلب الحقائق من جانب آخر، بالإضافة إلى ذلك فهو متمرس جيداً في إستخدام القوى الناعمة وتوظيفها عالمياً لما يخدم مصالحه السياسية و الاقتصادية، وهذا بدوره يجعل دول العالم تنظر إلى الكفاح المسلح الفلسطيني على أنه كفاحاً منقوص (أو يمكن أن نسميه غير شرعي) لا يصل إلى منطقة الحقوق المناط بها فيما يتعلق بقضيتنا الفلسطينية.
فلو نظرنا على مدار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نجد أن في الوقت الذي تستخدم فيه إسرائيل جميع قواها العسكرية و السياسية و الاقتصادية في محاربة شعب فلسطين الأعزل، والتي تنتهي في كل مره إحدى جولات ذلك الصراع بتكبد الفلسطينيين الخسائر البشرية و المادية والجغرافية، وبالرغم من ذلك نجد التعاطف الدولي موجه وبشكل قوي ومباشر مع الشعب الإسرائيلي، وكأن الشعب الفلسطيني هو المُعتدي أو المُغتصب !. وهذا بطبيعة الحال يعكس مدى قوة إسرائيل في التأثير على المجتمع الخارجي من خلال استخدام وسائل وقوى ناعمة تلعب دوراً في تكوين الصورة التي تسعى إسرائيل إلى رسمها داخل أذهان شعوب العالم، من جانب آخر نجد أن ما تحققه إسرائيل في هذا السياق يعكس أيضاً الضعف المحدق بالفلسطينيين فيما يتعلق بخبرتهم في توصيل معاناتهم للعالم الخارجي .
وهنا كان لابد لشيء ما أن يساند ذلك الكفاح المسلح، ولا يوجد أكثر نجاحاً من الكفاح الناعم بطرائقه و أساليبه في استكمال ما قد بدأ فيه الكفاح المسلح في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية والخلاص من بعد كل ذلك إلى الوصول للحلم الفلسطيني المتمثل بتحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت