- ديمة جمعة السّمان:
كم كان جريئا الأديب الجليلي سهيل كيوان في طرحه للطفل مواضيع قد يصعب طرحها على الكبار أحيانا! وذلك في قصته الموجهة للأطفال ( نور العين)، والتي صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية ضمن سلسلة أغصان الزيتون، والتي تقع في 74 صفحة من القطع المتوسط، زيّنتها رسومات الفنانة المبدعة منار نعيرات، وأخرجها شربل الياس.
القصة تتناول فكرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، لإنقاذ حياة من لا زال أمامه فرصة للعيش، وقد خذله أي عضو رئيس في جسده لا يمكن العيش دونه، كالقلب أو الرئة أو الكلية أو.. الخ من أعضاء يموت الإنسان في حالة تعطلها.
أو التبرع بأعضاء، ممكن العيش دونها، ولكن تعطلها يشكل إعاقة للمريض، تصعب عليه حياته، كالعين وأعضائها مثل القرنية والشبكية... الخ.
موضوع في غاية الحساسية، ويحتاج إلى أسلوب لبق جدا لإيصال الفكرة للطفل.
موضوع يحتاج من الأديب أن ينزل إلى مستوى الطفل، ومن ثم يرتقي به تدريجيا بالفكر إلى أن يصل إلى مستوى يتقبّله الطّفل، لا يترك عنده أي أثر سلبي على نفسيته.
يلجأ معظم كُتّاب قصص الأطفال إلى الحيوانات، يشكلونهم أبطالا في قصصهم، ليكونوا جسرا يتم من خلالهم تمرير رسائلهم. إلا أن كيوان استعان بدمية الطفلة رشا، التي تضررت عينها بعد سقوط قطرة من الغراء على عينها اليسرى، ولم تنجح رشا في فتح عين دميتها رغم كل المحاولات. حزنت رشا كثيرا على دميتها المفضلة التي لا تفارقها ليلا ولا نهارا.
لجأت إلى جدها الذي أهداها هذه الدمية، فشكت له ما حصل لدميتها، حاول ان يطمئنها وأعلمها بأنه سيهديها دمية أخرى، إلا أنها رفضت وتمسكت بدميتها الأولى.
موقف نبيل وأصيل من طفلة صغيرة. وهنا يطرح كيوان بصورة غير مباشرة قيمة "الوفاء".
وكان هناك حوار لطيف بين رشا وجدها، علمنا من خلاله أن جدّها فقد بصره نتيجة خلل في القرنية، وهو ينتظر متبرعا بقرنيته له، كي يستعيد نظره، ويراها من جديد، فقد اشتاق لرؤية حفيدته التي حرم من مشاهدة جمالها ما يقارب التسع سنوات.
وهنا دخلت صديقة رشا ابنة الطبيبة نور، والتي أعلمتها انها تستطيع أن تنقذ الدمية بعين شبيهة بعينها، فقد كان عندها دمية شبيهة، الا أنها لم تعد صالحة، فمن الممكن أخذ عينها وزرعها في مكان عين دمية رشا.
والنتيجة أنها فعلا أحضرت الصديقة دميتها القديمة، وقامت الأم الطبيبة نور بعملية الزراعة، بعد أن أحضرت الأدوات اللازمة لذلك.
وقد دخلت الطبيبة وأم رشا لمساعدتها في غرفة في المنزل، وأغلقا الباب، وكأنها فعلا غرفة عمليات جراحية.
وقد ركز الكاتب على حالة التوتر والقلق الذي مرت به رشا طيلة فترة العملية.
كان الوصف موفقا جدا، أدخل القارىء الطفل في الحالة، وعرفه على
نرى هنا كم كان الربط ذكيا، قرّب الفكرة للطفل بصورة عملية
(اسمعي يا حبيبتي، هنالك أناسٌ نبلاءُ وطيّبونَ وكِرامٌ جدًّا، يُوَقِّعون على وصيّةٍ، بأنّه إذا حان أجلُهُم، وتُوفُّوا لأيِّ سببِ كان، فإنهم يوصون ويسمحون للأطباءِ بأخْذِ أيِّ عضوٍ من جسدِهِم، لزراعتِه في جِسْمِ مريضٍ في حاجَتِه، كذلك هناك من يتبرَّعون بأعضاءِ عزيزٍ عليهم فارق الحياةَ، وذلك لإنقاذِ مريضٍ، وهذا هو حالُ الدُّنيا، بعضُ الناسِ يرحلونَ، وبعضُ النَّاسِ يولدون، والبعضُ يمرَضُ، والبعضُ يتعافى، والبعضُ يُعَمَّرُ طويلاً، والبعضُ يقضي نَحْبَهُ في حادثِ طرقٍ أو حادثِ عملٍ، أو في مرضٍ مفاجيءٍ، إنها الحياة بكلِّ ما فيها من تقلّباتٍ، وعلينا أن نكونَ راضين وسعداءَ في نصيبنِا من هذه الحياة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت