- جهاد حرب
فجر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للعام 2020 وما تضمنه من ملاحظات متعددة جوهرية وشكلية كاستخلاصات للتقارير التي أجراها في إطار رقابته على مؤسسات الدولة التي خوله إياها قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية، نقاشا غاضبا في الشارع الفلسطيني وفي وسائط الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي حول الفساد.
وعلى الرغم من أن تقارير الديوان السنوية السابقة تحمل ذات المضمون، أكثر أو أقل قليلا، إلا أنها تشير إلى الخروقات والتجاوزات وتقدم توصيات لجهات الاختصاص لتصويب وتدارك الاختلالات المرصودة في تقاريره الرقابية سواءِ المتعلقة بإدارة المال العام أو إدارة المؤسسات أو تقديم الخدمة، وقد تأخذ بعض المؤسسات والوزارات جزء من هذه التوصيات وتعمل على تصويب إلا أن الرؤية الشمولية ما زالت مفقودة لدى المؤسسة السياسية الفلسطينية ويغيب عنها مفهوم المساءلة والمحاسبة ناهيك عن استمرار اعتماد مبدأ الولاء بديلا عن الكفاءة في رئاسة المؤسسات العامة وإبقاء المسؤولين لسنوات طويلة في أماكنهم ذاتها رغم تجاوز أعمارهم سن التقاعد الإلزامي. الأمر الذي راكم الاختلالات من جهة، وأضعف ثقة المواطنين بنظام الحكم من جهة ثانية، وزاد من الإحباط لدى الطبقة الحامية للنخبة الحاكمة من جهة ثالثة.
إن تفجر هذا النقاش عبر الوسائل المختلفة؛ وبغض النظر عن أهداف البعض في تحريكه سواء من أطراف في المعارضة للحصول على مكاسب سياسية أو في إطار الصراع على النفوذ داخل النخبة الحاكمة، أم من أطراف خارجية تريد اظهار مدى البؤس الذي وصلت إليه المؤسسة الموعودة، أو أطراف داخلية غايتها إصلاح البنى المؤسسية والثقافية والقانونية للنظام وتطوير مؤسسات عامة مساءلة وقوية تحافظ على المال العام وتقدم الخدمات بجودة رفيعة، فإن المؤسسة الحاكمة عليها التعامل بحكمة الكبار وسرعة الشباب وابداع العلماء وقوة النشطاء؛ فلا تذهب الحكمة بإضاعة الوقت أو الاندفاع بالتهور.
في ظني، إن النقاش الجاري اليوم يشبه إلى حد بعيد النقاش الذي جرى عام 1997 إثر إصدار هيئة الرقابة العامة "الديوان حاليا" تقريرها للعام 1996 المشهور بملف الفساد آنذاك، لكن هذه المرة مع ترهل عام في مؤسسات الدولة وغياب للمؤسسة التشريعية، وضعف الثقة بالنظام السياسي وغياب الرضا عنه وعن أدائه، ووسمه بالفساد لدى غالبية كبيرة من المواطنين، ونزوعه نحو السلطوية، وتردي حالة حقوق الإنسان والحريات العامة، وغضب شعبي على مؤسسات السلطة وأدواتها، ناهيك عن غياب الأفق السياسي، والأمل في المستقبل، واتساع رقعة الفقر، وزيادة نسبة البطالة خاصة بين الشباب والمتعلمين منهم، وضعف دافعية العاملين في المؤسسة العامة للذود عنها، وافتقار المؤسسة للحجج والبراهين أمام المواطنين، واتساع الهوة بين النخبة الحاكمة والمواطنين لاستمرارها بالتحدث مع المواطنين من علوِ، وكأنها في أبراج عاجية، مستخدمة طرق بائدة في الخطاب وفارطة في الزمن، وكأن مؤسسات الدولة في خريف العمر تتهاوى دون إعادة إنبات مستسلمة غير ساعية بوعي وحجة لاستعادة مكانتها وفاعليتها.
مما لا شك أن أي عملية إصلاحية تتطلب أن تكون شاملة وجوهرية وتغييرات واسعة في بنية النظام وشخوصه وليست تقنية أو لذر الرماد في العيون، فالوقت ينفذ ولم يعد يسعف النظام المماطلة أو التسويف، وضاقت الخيارات أمام النخبة الحاكمة فإما التخلي عن مبدأ الولاء الشخصي إلى الولاء للدولة المبني على الكفاءة والجدارة والمعتمد على تكافؤ الفرص، أو إما انتظار صاعق التفجير لبركان شعبي يغلي تحت قشرة رقيقة "طبقة حامية محبطة ومؤسسات متهاوية" لن تضمن الحماية للنخبة الحاكمة بما فعلت بقدر الانقضاض عليها بما عجزت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت