- بقلم: وليد العوض*
في الرابع عشر من يوليو الماضي وقعت الولايات المتحدة الامريكية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" اتفاقا تحت مبرر توفير الدعم للوكالة التي تعاني ميزانيتها من عجز كبير يحول دون استمرارها بتوفير خدماتها للاجئين الفلسطينيين وتتخذ من هذا العجز مبررا لتقليص خدماتها هذه بشكل متسارع ،وقد جاء هذه الاتفاق تحت وطأة ابتزاز الحاجة التي تبتغيها الاونروا لسد مثل هذا العجز لكنه حمل مخاطر لا يمكن القفز عنها بأية حال من الاحوال، وقد وقع على هذا الاتفاق وتبادلا رسائل التفاهمات كل السيد فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا و والسيدة نانسي ازو جاكسون رئيسة مكتب الهجرة في وزارة الخارجية الامريكية ، هذا الاتفاق الذي اصبح متداولا في الأوساط الفلسطينية كافة باسم اتفاق الاطار بين الاونروا وامريكا ، وقد اثار الاتفاق المذكور موجة من الاحتجاجات الواسعة لدى أوساط اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان لما يحمله من مخاطر سياسية كبيرة تهدد مستقبل قضية اللاجئين كونها قضية سياسية بامتياز وتضعها على سكة قطار التصفية الذي دأبت الولايات المتحدة الامريكية على شق كل المسارات بغية تحقيق هذه الغرض باتفاق كامل مع دولة الاحتلال ، لذلك فإن اتفاق الاطار هذا يجب النظر له في سياق متكامل ووضعه في سياقه الواضح الذي يندرج تحت إطار هذا المسعى المسموم مسعى تصفية قضية اللاجئين والقفز عن قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الى ديارهم، والقرار ٣٠٢ لعام 1949 المنشئ للأونروا والذي يفوضها بتقديم الخدمات كافة للاجئين لحين تطبيق القرار 194 القاضي بعودتهم الى بيوتهم التي شردوا منها ، وهو ما دأبت الجمعية العامة التأكيد عليه في كل عام ، لكن الولايات المتحدة ودولة الاحتلال لم يدخرا جهدا في محاولة الالتفاف على هذين القرارين كما المئات من القرارات المؤيدة لشعبنا وقضيتنا، وبالعودة لاتفاق الاطار ومخاطره فقد تضمن هذا الاتفاق العديد من النقاط التي تتعارض بل وتنسف القرار 302 المنشئ للوكالة عام 1949بل وفرض على الاونروا دورا مغايرا لدورها لا يجوز لها ان تقترب منه تحت أي ظرف من الظروف ، فاتفاق الاطار هذا يفرض على الأونروا دورا امنيا تبدوا في ثناياه وكأنها أصبحت ذراعا من اذرع السي أي أيه له مهام محددة تنحصر في متابعة توجهات اللاجئين الفلسطينيين عبر الطلب منها مراقبة كيفية صرف المبالغ المالية وعلى اية قطاعات والطلب منها تقديم تقارير مفصلة للإدارة الامريكية تتناول أوجه الصرف الذي تقوم به لتغطية برامجها علاوة على مطالبتها بالكشف عن مواردها المالية من اية جهة كانت ناهيك عن ان هذا الاتفاق يلزم الاونروا بإجراء المسح الأمني لموظفيها بشكل دوري كذلك لكل المنتفعين من خدماتها وبل الشركات التي تتعامل معها لتوريد احتياجاتها. واكثر من ذلك فإن هذه الاتفاق اللعين يفرض أيضا الرقابة على اية مساهمات ومشاركات لموظفي "الأونروا" على وسائل التواصل الاجتماعي والأنشطة التي تحمل أي مضمون ونشاط سياسي يعبر عن التزام الموظف بقضيته الوطنية بحجة الالتزام بالحيادية ، وبذلك فإن اتفاق الاطار هذا يأتي لينزع أبناء شعبنا الموظفين من قلب قضيتهم الوطنية كما انه يفتح الطريق لفصل اعداد كبيرة منهم تحت حجة خرق هذا البند ،علاوة على المطالبة الدائمة بتعديل المناهج ومحاولة تغيير الرواية الوطنية الفلسطينية تحت حجج ومبررات واهية، ان التدقيق بكل بنود ومحتويات الاتفاق المذكور يحول الاونروا من مؤسسة انشأت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لرعاية وتقديم الخدمات لللاجئين الى مجرد وكيل أمني تنحصر مهمته في مراقبة الموظفين وكل من يتلقى الخدمات منها وبذلك يمكن القول انه ليس اتفاق إطار لجلب الدعم بل اتفاق إطار لتصفية قضية اللاجئين.
إن المتتبع لمجريات عمل الأونروا وما تقدمه من خدمات باتت تتقلص بشكل كبير خلال السنوات الأخير يلحظ دون عناء انها بكل أسف تسير بخطوات تراكمية لتحقيق هذا الغرض وما اتفاق الاطار هذا الا تتويجا لمنهج تسير الأونروا عليه ببطء لكنه يصل في نهايته الى ما يصبو اليه الاتفاق المذكور الذي تتضح مآلاته أيضا في السعي لتخفيض اعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون الخدمات وأن ينخفض عددهم بشكل متواتر ليصل الى اعداد محدودة تنسجم مع ما دعى له احد مستشاري الاونروا الأمريكي "لندسي" في تعريف اللاجئين الفلسطينيين وهم الذين ولدوا قبل 1948 وبقوا على قيد الحياة وهو بالضبط ما تسعى له الإدارات الامريكية المتعاقبة ودولة الاحتلال واتفاقهما الاستراتيجي الثابت لتصفية قضية اللاجئين باعتبارها جوهر القضية الفلسطينية.
إن ما حمله الاتفاق المذكور من مخاطر ، أثار كما اسلفت في مطلع هذا المقال موجة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي نظمتها بشكل ملحوظ لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة وقد شكلت لجنة خاصة تضم كل الفاعلين في قضية اللاجئين لمتابعة ذلك، كما ونظمت العشرات من الأنشطة والمسيرات والمؤتمرات الاحتجاجية في الضفة الغربية وكذا في مختلف مناطق عمل الاونروا في مختلف مخيمات الشتات وامام مراكز الاونروا ، لكن لابد من القول انه بالرغم من هذا النشاط الملحوظ الا انه لم يحقق غاياته بوقف العمل في هذا الاتفاق بما يحول دون مخاطره ، الامر الذي يتطلب عملا أكثر شمولية وفعالية يضمن التكامل بين النشاطات الشعبية الواسعة وتعميمها وتكثيفها في مختلف المناطق والمجالات وبين دور منظمة التحرير الفلسطينية عبر دائرة شئون اللاجئين فيها بمتابعة هذه التحركات والطلب من جامعة الدول العربية بعقد جلسة خاصة لمؤتمر المشرفين على شئون اللاجئين في الدول المضيفة بحضور الأونروا ، تسجل فيه اعتراضها على الاتفاق المذكور وتطلب من الأونروا الغاءه لما فيه أيضا من تدخلا فظا بشئون الدول العربية المضيفة للاجئين ،كذلك ان يقوم المجلس الوطني بعلاقته الواسعة مع برلمانات العالم بحملة للاحتجاج على الاتفاق وصولا لإسقاطه، بالإضافة لضرورة وضع خطة شاملة لتكثيف التحرك الرسمي والدبلوماسي الفلسطيني لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق الاليات المتبعة وعبر السفارات والممثليات للاحتجاج على ذلك كونه يتعارض بل يمثل تدخلا أيضا من قبل أمريكا بعمل احد اهم مؤسسات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي "الاونروا"، يبقى من المهم القول انه ورغم الابتزاز الأمريكي ومحاولات الضغط التي تمارسها أ لربط تقديم الدعم للوكالة بتغيير وجهتها وطبيعتها ومهامها الان ان هذه القرصنة لم تفلح ولن تنجح ،ولنا في تصويت قرار البرلمان الأوروبي بالتوصية على زيادة تمويل الاتحاد الأوروبي من 90 الى 142 مليون يورو خير دليل على ذلك .
* أمين سر لجنة اللاجئين في المجلس الوطني
٢٣-١٠-٢٠٢١
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت