- جهاد حرب
أثار قرار الرئيس الفلسطيني بتشكيل لجنة "وطنية" للإصلاح النقاش حول مسائل متعددة منها ما هو شكلاني وآخر موضوعي أو جوهري، ومنها ما هو متفق عليه أو يمكن الاتفاق حوله وأخرى تثير الجدال أحيانا والخلاف أو تتعدد الرؤى حولها.
تضم اللجنة "الوطنية" للإصلاح، بموجب القرار الرئاسي وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، المستشار القانوني لرئيس الدولة (رئيسا) وعضوية كل من: أمين عام مجلس الوزراء، ورئيس ديوان الموظفين العام، ورئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية، ورئيس هيئة التقاعد العام، ورئيس هيئة التنظيم والإدارة، ووزير العدل، وممثل عن الصندوق القومي، وممثل عن وزارة المالية، وممثل عن وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، وممثل عن جهاز المخابرات العامة. وقد تم تحديد اختصاصها في؛ دراسة القوانين والأنظمة والهيكليات التي يستند إليها البناء المؤسسي في الدولة وكل ما يتعلق بالوظيفة العمومية لجهة إصلاحها وتطويرها وترشيق هيكلياتها وترشيد نفقاتها وتحسين أدائها، وضبط العلاقة الوظيفية والبنيوية ما بينها وبين المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
من نافل القول إن الأطراف الفلسطينية متفقة على ضرورة الإصلاح في النظام السياسي الفلسطيني وفي مكوناته المختلفة (مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير)، وعلى أن قرار الرئيس يظهر اعترافا رسميا بوجود اختلالات وإشكاليات وتجاوزات أوجبت إصدار قرار من رأس الهرم الإداري للسلطة الفلسطينية ينحو للإصلاح. كما أن الخلاف لا يتمثل بالأشخاص كأفراد أو بارتباطتهم الشخصية بل في تقييم السلوك المفترض مسبقا عليهم؛ وفقا لاختصاصاتهم وفي إعمالهم لصلاحياتهم وهم على رأس عملهم كي لا نصل إلى عمق الأزمة، وفي الخشية من تضارب المصالح المحتمل الناجم عن عضويتهم في اللجنة.
لكن هذا الاتفاق من حيث الشكل لا ينزع الخلاف من حيث المضمون القاضي بأن هذا القرار جزئي محدود ويقتصر على الجانب الإداري للمؤسسات والعلاقة بينها، ويفتقر إلى رؤية شاملة لعملية الإصلاح ومآلاتها، ما يظهر أن الأمر شكليا. في حين أن الأوضاع الفلسطينية تحتاج إلى عملية إصلاح جوهرية وجدية في الجوانب المختلفة وغير مقتصرة على الجانب الإداري للمؤسسات المدنية بل أيضا المؤسسة الأمنية، ناهيك عن الجانب الاقتصادي والمالي وفي القضاء، واعادة بناء المنظومة القيمية للنظام السياسي باتجاه دمقرطته وفقا للمرتكزات الثلاث للنظام الديموقراطي "احترام سيادة القانون وإجراء الانتخابات العامة، وإعمال الفصل بين السلطات"، واحترام قواعد العقد الاجتماعي المتمثل بقيم وثيقة الاستقلال وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني.
كما أن الخشية تناب العديد بأن تكون عملية الإصلاح شكلية لتجنب الضغوط الخارجية وليست لإجراء عملية إصلاح جدية وجوهرية وشاملة تلبية لمطالبات داخلية لتصلب الجبهة الوطنية، ولتقوية مؤسسات السلطة، ولتقويم أفعالها، ولتطوير إجراءاتها، ولتحصين العاملين فيها ضد الفساد، ولتجويد خدماتها، ولتحسين صورتها أمام المواطنين لنيل رضاهم، ولتعزيز ثقة المواطنين بالنظام السياسي.
في ظني "وأغلب الظن ليس إثماً" أن إشكاليات في بنية اللجنة قائمة تتعلق بست مسائل شكلية لكنها هامة لقراءة مستقبل عمل اللجنة ذاتها ومخرجاتها؛ الأولى تتعلق بتسمية اللجنة بأنها لجنة "وطنية" للإصلاح في حين يقتصر أعضاؤها على موظفين حكوميين رسميين، وتقتصر مهامها على الجانب الإداري. والثانية أن اللجنة مشكلة من رؤساء مؤسسات مهمتها بالأصل تطوير وتحسين الخدمة العامة والرقابة على المؤسسات الأخرى وتقويم سلوكها، أو بمعنى أدق هي ذات الاختصاصات التي عُهد إليها القيام بها وفقا لقرار تشكيل اللجنة. والثالثة: أن أعضاء اللجنة هم على رأس عملهم موكلون بذات المهمة الأمر الذي يخشى أن تصبح اللجنة وعاءً للدفاع عن أعمالهم وعدم الاعتراف بالاختلالات التي أقر بها قرار تشكيل اللجنة ذاته ما يفقد عملية الإصلاح الجزئية فحواها ويضعف مخرجات اللجنة ويضعها في مرمى نيران "شبه" تضارب المصالح.
والرابعة: أن أعضاء اللجنة المسؤولون عن الإدارة العامة "القطاع المدني والأمني" تجاوزت مدة رئاستهم لهذه المؤسسات السبع سنوات، وأحدهم له أكثر من عشر سنوات، ما يضع مسألة الإصلاح في متاهة التساؤلات عن الجديد والمأمول وفي تحمل المسؤوليات عما وصلت إليه الإدارة العامة. والخامسة: ترفيع الإداري على السياسي حيث منحت الأولوية في رئاسية اللجنة لم هو بدرجة إدارية على المنصب السياسي، فالوحيد من بين أعضاء اللجنة هو وزير العدل وهو بمنصب وزير فيما المستشار القانوني للرئيس وأغلب أعضاء اللجنة بدرجة وزير، أو أقل درجة وظيفية، وهي درجة إدارية لا تسمو على منصب الوزير الأمر الذي يظهر أن بنية لجنة الإصلاح ذاتها تحتاج إلى إصلاح لناحية احترام التراتبية في بنية الهيكل السياسي للنظام، كما أن هذا الأمر يثير تسؤلا إضافيا حول مكانة مجلس الوزراء الإشرافية وفقا لأحكام المادة 69 من القانون الأساسي.
أما السادسة: تضم اللجنة في عضويتها مؤسسة للرقابة الخارجية "ديوان الرقابة المالية والإدارية" مهمتها الرقابة والفحص والتدقيق على أعمال الإدارة ذاتها بما فيها عمل اللجنة وتنفيذ مخرجاتها، في حال قامت بذلك، فالممارسات الفضلى لا تقبل إشراك مؤسسة مهمتها الأصلية الرقابة في لجنة يحتمل أن تنظر مستقبلا بأعمالها أو نتائج أعمالها خشية حدوث تضارب مصالح من جهة، وتقييد حدود النظر عند إعمال اختصاصاتها من جهة ثانية.
مما لاشك فيه أن قيادة عملية إصلاح جدية وجوهرية وشاملة تحتاج إلى الإرادة السياسة المقرونة بالعزيمة والفعل، وبالشراكة مع الأطراف المختلفة، وباختيار الآليات والأدوات، وبتحديد الوسائل والأسلوب، وبشمولية الإجراء، وبحسن التدبير، وبصوابية العمل، وبجمالية الأداء. أما الاعتماد على النوايا الحسنة فقط يفضي على الأغلب إلى تقليص الإصلاح والاقتصار على إجراءات شكلية تذهب ريح الإصلاح وتعمق فجوة الأزمة وتزهق روح الثقة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت