هل يستمر الانخفاض الحالي على سعر صرف الدولار طويلا؟

الدولار

توقع محللون اقتصاديون ألا يستمر الانخفاض الحالي على سعر صرف الدولار الأميركي طويلا، فيما يتجه العالم إلى أزمة اقتصادية العام المقبل.

وهبط أمس الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته أمام الشيقل الاسرائيلي في عشرة أشهر ليصل سعر صرفه إلى 3.16 شيقل، بعد أن صرف يوم الخميس الماضي عند مستوى 3.19 شيقل.

ووسط ترقب لارتفاع محتمل على أسعار السلع الأساسية محليا بعد ارتفاعها في الأسواق العالمية مثل الطحين والسكر والأرز والزيت، يدور سؤال مهم حول إمكانية أن يقود انخفاض الدولار إلى إحداث توازن في الأسواق كون السوق الفلسطيني استهلاكيا بامتياز ويستورد معظم السلع بعملة الدولار.

ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم  لصحيفة "الحياة الجديدة": "إن هذا التقلب في سعر صرف الدولار مقابل الشيقل من المفترض أن يحدث جزءا من التوازن نظريا، ولكن هذا لم يحدث عمليا في السوق الفلسطيني من قبل".

ويضيف عبد الكريم "سعر صرف الدولار مقابل الشيقل منذ حوالي سنتين توقف عند 3.25، ولكننا لم نشهد انخفاضا على أسعار السلع رغم تراجع سعر صرف الدولار، على العكس تماما حينما يرتفع سعر صرف الدولار فإننا نشهد ارتفاعا في أسعار منتجات بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار".

ونوه عبد الكريم إلى أن المعادلة في السوق الفلسطيني ليست متكافئة في الثقافة التسعيرية، وذلك نتيجة للانسداد والظواهر الاحتكارية، مشيرا إلى عدم وجود معرفة كافية لدى المواطن الفلسطيني في أسعار صرف العملات.

ويتابع: "على المواطن الفلسطيني أن يقوم بسياسات ترشيد النفقات من أجل مواجهة هذا الارتفاع في الأسعار، كما يجب عليه الاتجاه نحو الزراعة والصناعة والتقليدية".

ويقول عبد الكريم: "السبب المباشر لتقلب أسعار صرف الدولار مقابل العملات العالمية وليس مقابل الشيكل فقط، يعود إلى أن البيانات حول الاقتصاد الأميركي ظهرت ضعيفة".

من جهته، أكد د. بكر اشتية أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية أن الانخفاض الأخير لسعر صرف الدولار جاء نتيجة انخفاض العملة الخضراء أمام سلة من العملات بسبب قرار البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة على اليورو ما أعطى العملة الأوروبية الموحدة دفعة قوية، وأدى إلى عزوف المستثمرين عن الدولار باتجاه اليورو.

وأضاف: "الانخفاض الحالي للدولار لا أتوقع أنه سيستمر طويلا، فهو ناجم عن عملية جني مكاسب قام بها المستثمرون بعد أن ارتفع الدولار أمام سلة العملات خلال الأسبوع الماضي، وفضلوا الإقبال على اليورو في وقت أبقى الاحتياطي الأميركي على سياسته برفض رفع سعر الفائدة حاليا للإبقاء على سياسة التسيير الكمي رغم معدلات التضخم الآخذة في الارتفاع في الولايات المتحدة الأميركية".

وبين اشتية أن الولايات المتحدة تستهدف خطة حتى منتصف العام المقبل 2022 تريد من خلالها الاستمرار في رفع معدلات النمو، ولا يشكل لها التضخم حاليا أولوية بقدر ما هو المطلوب إدخال تحسينات على معدلات التشغيل التي تضررت بفعل جائحة كورونا.

وأكد أن المؤشرات الحالية غالبا ليست مقلقة بالنسبة للدولار، خاصة أنه شهد ارتفاعات أمام سلة العملات الأسبوع الماضي باستثناء الشيقل القوي في هذه الفترة، متوقعا عودة الدولار إلى سعر صرفه الطبيعي خلال عدة أيام أي حول 3.2 للشيقل، بعد انتهاء عملية جني المكاسب للمستثمرين من بيع الدولار لصالح الأسهم واليورو، وبعد أن يستوعب السوق عملية رفع الفائدة على اليورو.

وفيما يتعلق بارتفاع السلع الأساسية وفي مقدمتها الحبوب، قال د. اشتية: الولايات المتحدة غالبا هي من خفضت من انتاج الحبوب لصالح استخدام كميات في القمح لصالح تجارب للطاقة البديلة، وهذا تماما مثلما حصل في العام 2007، إذ شهدنا ارتفاعات في أسعار السلع الأساسية، وارتفاعا في أسعار النفط، وهو ما يجري حاليا، كذلك هناك ارتفاعات على أسعار العقارات وهو أيضا أمر جرى قبل أزمة الرهن العقاري في عام 2007.

ولذلك يتوقع اشتية أن ما يجري حاليا سيقود إلى أزمة اقتصادية عالمية في عام 2022 على غرار ما حصل في أزمة الرهن العقاري، إذ سيتبين أن ما يجري عملية فقاعة، ستنتهي بعد انتهاء الولايات المتحدة من خطتها الاقتصادية حتى منتصف العام 2022 باستهداف نسبة معينة من التشغيل، وحينما سيحصل الانهيار المالي كما حصل في أزمة الرهن العقاري، ساعتئذ سيتدخل الاحتياطي الفيدرالي لرفع نسبة الفائدة لضبط الأسواق وتخفيض التسيير النقدي، لإعادة الفائض النقدي إلى البنوك بدلا من ضخها في الأسواق، مشيرا إلى أن هذا الفائض عادة ما يذهب إما إلى الأسهم أو العقارات وهذا ما يحدث حاليا، لهذا نلمس ارتفاعات في كلا القطاعين.

وأضاف اشتية: من يراقب أسعار العقارات يدرك بأن ما يجري فقاعة وليس ارتفاعا حقيقيا، فالارتفاعات الحقيقية في أسعار العقارات يواكبها ارتفاع في ايجارات العقارات وهو ما لا يحدث حاليا.

وبين أن الولايات المتحدة تستهدف دولارا ضعيفا في الوقت الحالي لاستكمال خطتها الاقتصادية، وهي تعتبر التضخم كذلك جزءا من عملية رفع الأرباح للشركات، وكذلك يساعدها الدولار المنخفض على زيادة الإنتاج والصادرات.

أما فيما يتعلق إذا ما كان انخفاض قيمة الدولار ستقلل من تأثير الارتفاعات المتوقعة في السلع الأساسية قال د. اشتية: "أكثر دولتين تستورد فلسطين السلع منهما تركيا والصين، وهاتان الدولتان المواد الخام لديهما للصناعة ليست بالدولار، كما أن معظم الواردات تأتي من دول عملتها غير مقومة بالدولار، ولذلك فإن ادعاء التجار دوما بمبرر ارتفاع قيمة الدولار كمبرر لرفع الأسعار ليس دقيقا من الناحية العلمية لأن معظم الواردات لا تسعر بالدولار وإنما تسعر في البلدان المنتجة فيها وهي غالبا غير مقومة بالدولار، وبالتالي فإن انخفاض قيمة الدولار كذلك لا تنعكس بصورة كبيرة على أسعار السلع إلا إذا كانت المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة أو من دول مقومة المواد الخام فيها بالدولار، وهذا يحتاج إلى دراسة من وزارة الاقتصاد الوطني المدعوة حاليا للقيام بعمليات رقابة حقيقية والتأكد من أن الرفع على أسعار بعض السلع مبرر ووفق ما حصل عالميا لا أكثر من ذلك.

وكانت وزارة الاقتصاد الوطني قالت أمس الأول، ان السلع والمواد الاساسية متوفرة في الأسواق، وإنها لن تتهاون مع من يحاولون التلاعب بالأسعار كون السوق لم يتأثر بعد بموجة الارتفاع العالمي.

وشددت الوزارة على أنها ستنشر خلال الأيام المقبلة قائمة السقف السعري الاسترشادي للسلع الأساسية لتساهم في ضبط واستقرار الأسعار، وستتولى طواقم الرقابة والتفتيش متابعتها .

وقالت الوزارة إنها في متابعة مستمرة لأسعار السلع الغذائية والأساسية في السوق الفلسطيني، وبالتنسيق مع القطاع الخاص لمتابعة هذا الموضوع، مشيرة إلى أن هناك اجتماعا سيضم كبار التجار والمستوردين لبحث سبل الحد من تأثيرات الارتفاعات العالمية في الأسعار على المواطن، بما يضمن توجيه المستوردين نحو تنويع الأسواق وليس الاقتصار على أسواق معينة.

وأوضحت الوزارة انها تواصل مساعيها مع الدول الصديقة لتوفير متطلبات احتياجاتنا من السلع الأساسية في ظل ارتفاع الطلب العالمي والاستثمار في الاتفاقيات الموقعة مع مختلف بلدان العالم.

وأثارت مؤشرات اقتصادية عالمية حول ارتفاع أسعار سلع غذائية أساسية المخاوف في السوق المحلي من ارتفاع مرتقب على بعض السلع بينها الحبوب خاصة القمح والشعير وكذلك الزيوت النباتية والسكر والأرز بدءا من مطلع الشهر المقبل.

وكان صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك قال لـ"الحياة الجديدة": إن الجمعية تواصلت مع تجار الجملة الذين أكدوا أن أسعار العديد من السلع الغذائية الأساسية ستشهد ارتفاعا بدءا من مطلع الشهر المقبل بنسب تتراوح بين 15 - 20% نتيجة ارتفاع هذه السلع من مصادرها العالمية.

وتشير الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء إلى أن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 16% خلال 10 أعوام أي منذ عام 2010 لغاية نهاية العام الماضي، بينما ارتفعت في الضفة بنسبة 20%، وفي القدس بنسبة 25%، وفي غزة بنسبة 4.5%.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله