- د. رائد موسى
الاحتلال الاسرائيلي لا يكتفي بسلبه لحاضر وماضي الشعب الفلسطيني انما يمارس جهود حثيثة لاغتيال أمل ومستقبل الشعب الفلسطيني، فنجد دولة الاحتلال رغم قدراتها العسكرية النووية الهائلة، ورغم قوتها الاقتصادية المالية والتكنولوجية، ورغم الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود لها، ورغم الاستكانة والتودد من البعض العربي والاسلامي والافريقي لها، ورغم متانة نسيج علاقاتها مع الشرق الاقصى، الا انها تُسخر مقدرات ضخمة من أجل مراقبة أطفالنا وسلوكهم وطريقة تفكيرهم، وآمالهم واحلامهم، ونظرتهم للصراع والاحتلال، ومدى حبهم للوطن واستعدادهم للتضحية من أجله . نُفاجأ بالاحتلال بانه قد سخر أعدادً كبيرة من كوادر وضباط الأمن لديه ليتفرغوا في متابعة أطفالنا أكثر مما نتابعهم نحن آبائهم. بعد ذلك نفاجأ أيضاً بان هذا الطفل البريء الذي لم يغادر بعد حضن والديه ، والذي لا يزال ينتظر مصروفه ليشتري فيه رقائق البطاطا أو قطعة الحلوى قد استل سكين من بين مقتنيات مطبخ والدته ، ووضعه في حقيبته ليحاول طعن جندي من جنود الاحتلال الذين يضايقونه ويضايقون أهله على الحواجز العسكرية باستمرار .
ثم نشاهد على شاشات التلفاز اطفالنا وفلذات أكبادنا قد نال منهم رصاص الاحتلال قبل ان يقتربوا من الحاجز ودون ان يشكلوا ادنى خطر على جنود الاحتلال ، بعد ذلك تنطلق مسيرات التمجيد الفلسطينية بـ"الشهيد البطل" وتبارك بعض الفصائل ان لم يكن كلها "العملية البطولية" ، منها عن جهل ، ومنها كمسايرة لعاداتنا الوطنية وثقافتنا النضالية ومنها في سبيل مواساة أهل الشهيد . هنا علينا التوقف ومراجعة حساباتنا هل فعلاً هؤلاء الأطفال الذين فقدوا ارواحهم برصاص الاحتلال هم وقود مقبول لمعركتنا للتحرر والاستقلال ؟ ،
ثم ما الذي حرك هؤلاء الأطفال ودفعهم لهذا الانتحار/التضحية أمام رصاص الاحتلال ، هل هو فعلاً الدافع الوطني أم هي عملية استدراج خبيثة مارسها الاحتلال لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن عملية استدراج الاطفال والمراهقين بما عرف باسم لعبة الحوت الأزرق التي تستدرج اللاعب لممارسة تحديات آخرها الانتحار ؟
لا يمر شهر علينا إلا ونفقد فيه أطفال وابرياء برصاص الاحتلال ، فتدور في رؤوسنا تلك التساؤلات ويدور نقاش على وسائل التواصل الاجتماعي بين من يمجد الشهيد وعمله البطولي ، وبين الرافض لأن يكونوا اطفالنا وقودا لمعركتنا في التحرر والاستقلال ، في النهاية ينتصر الصوت الأعلى الذي يصدح ويردد بان الشهداء أكرم منا جميعاً ، والذي يطلب من أم الشهيد بان تزغرد لطفلها الشهيد وتوزع الحلويات على روحه الطاهرة، وبذلك يُطوى الملف تلو الملف لجريمة قتل أطفالنا بدم بارد ! بعد جريمة الاحتلال باغتيال الطفل ذو الاربعة عشر عاماً أمجد أبوسلطان في بيت لحم يوم 14 أكتوبر/ 2021 ، تكشفت لنا نفس الأسئلة، هل الطفل قد ذهب لمواجهة جنود الاحتلال بملء ارادته ام قد تم استدراجه ونُصب كمين لاغتياله، وهل من المقبول لنا ان يكونوا اطفالنا وقوداً لمعركتنا في التحرر والاستقلال ؟
لقد تطوع ضابط مخابرات الاحتلال المختص بمنطقة بيت لحم ونشر على صفحته للفيس بوك محادثات بينه وبين الطفل الشهيد ليبرر جريمة جيش الاحتلال بان الطفل مشاغب وكان يستحق الموت !! ،
وهنا كان عذره أقبح من ذنبه . فبأي حق يتدخل ضابط مخابرات ليناقش ويستفز طفل مراهق من خلال الفيس بوك ويستدرجه لتحدي جيش الاحتلال !! ، ألم يورطه بذلك بلعبة تحدي تماماً كما هي لعبة الحوت الأزرق التي تم تجريمها ؟ وان كان فعلاً الطفل مثير لقلق الاحتلال ألم يكن لدى الاحتلال مليون طريقة للتعامل معه غير استدراجه واغتياله ! ثم كيف ينتقي الاحتلال لضحاياه من الأطفال ؟ هل يدرس سلوكهم ونفسياتهم وميولهم الوطنية ويحلل ويتنبأ بشخصياتهم المستقبلية ومدى خطورتها على مستقبل استمرار الاحتلال فيقرر استدراجهم واغتيالهم ؟ وكيف يتهاون موقع فيس بوك ذو المعايير الصارمة ، باستغلال منصاته في هذا العمل المشين من ضباط الاحتلال مع أطفالنا !!
د. رائد موسى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت