- بقلم: فراس ياغي
" لن تكون متدينا إلا بالعلم...فالله لا يُعبد بالجهل" هذا ما قاله الكاتب المصري "مصطفى محمود"، ويأتي تذكري لهذا الإقتباس بعد أن سمعت مقابلة للدكتور "ديمة الخطيب" في مقطع فيديو من مقابلة على إحدى إذاعات "الأردن" الشقيق تتحدث فيه عن دور النساء في الإسلام وهي مستندة في كل كلامها للتاريخ الرسمي الذي تم كتابته والذي يُدرس في المدارس والجامعات والحلقات الدينية في المساجد وغيرها، وهنا لا أريد الخوض في نقاشات دينية أو تاريخية أو نقاش بمدى صحة هذه المرويات لأن الواقع العربي والإسلامي ككل هيمن عليه فكر وهابي وسلفي وإخونجي وغيره من الأسلمة السياسية أدى لسيطرة المرويات والتفاسير التي ظهرت في العصر "العباسي" منذ نهايات القرن الثامن ميلادي ولمدة خمس قرون، والتي هي بحاجة كبيرة لإعادة نقاش وتدقيق.
والعلم الذي حضّ الله تعالى عزّ وجلّ عليه في ثنايا "المصحف الشريف" ودعا الإنسان للتدّبر والتفكير، يعتبر هو الأساس للإنسانية جمعاء، فالأمم تطورت بالعلم وليس بالدين الذي هو متمم روحي وقيمي سلوكي، والدين السائد في مجتمعاتنا للأسف فصل بشكل مقيت بين مفاهيم العبادات وبين القيم، رغم أن الرسالات السماوية واضحة ولا تفصل بينهم مطلقا، بل أن شرط دخول الجنة وفق "القرآن" مرتبط دائما وفي كل الآيات ب "العمل الصالح"، وهنا المقصود السلوك والقيم الإنسانية ككل وليس مفاهيم العادات والتقاليد التي تحتلف من مجتمع لآخر.
وبما يتعلق بالتاريخ الفلسطيني الكنعاني العربي، والأماكن المقدسة فيه فيبدو أن الكثير من علماء العصر "العباسي" أورثوا لنا مفاهيم "توراتية" و"إسرائيلية" لا تمت للحقيقة بصلة، لكن للأسف لا يزال الكثير في عصرنا الحاضر يرددها دون أن يُمحّص فيها، بل إنّ مُجرد ترديدها هو دعم للرواية "التوراتية" التي تم دحضها من قبل علماء "الآركيولوجيا"، لدرجة أن السائد لدى علماء "الآثار" الآن هو إعتبار كتاب "العهد القديم" على أنه أخيولة أدبية تاريخية مليئة بالقصص والخراريف التي لا تتوافق مع أغلب المكتشفات الأثرية، فمثلا لا وجود لمملكة "إسرائيل" الموحدة في فلسطين والقدس بالذات، بمعنى لا وجود للملك "النبي" داوود والملك "النبي" سليمان وفقا لِ "العهد القديم" في "فلسطين" وبالتالي "بلقيس" يا دكتورة "ديمة" لم تأتي لِ "بيت المقدس"، أما بما يتعلق بالبطاركة "الأنبياء" الأوائل في "العهد القديم" من سيدنا "إبراهيم" عليه السلام وأولاده وزوجاتهم وأحفادة من "بني إسرائيل" فلا علاقة لهم بالقدس "اليبوسية" ولا بفلسطين "الكنعانية" العربية، ويمكن البحث عنهم إما في "العراق" في "العهد البابلي" أو في "اليمن" وفقا لكلام الكاتب العراقي الكبير "فاضل الربيعي".
ما أودُّ الإشارة إليه إلى أن عكس الجغرافيا "القرآنية" وفقا لجغرافيا "العهد القديم" هي عملية تجني وليّ غريب لمفهوم "القصص القرآني" لصالح فكرة "تلمودية" هدفها الأساس تحويل الصراع لمفاهيم دينية، فالسيدة "سارة" زوجة النبي "إسحق" لم تكن هي وزوجها وغيرهم يتواجدوا في "القدس" إلا في روايات "العهد القديم" ولا يوجد أي إثبات في علم "الآركيولوجيا" يدل على ذلك في حين هناك إشارات واضحة تتعلق بهؤلاء نجدها إما في بلاد "ما بين النهرين" أو في "اليمن"، أما قصة حديث "سراج القدس" المروي عن "ميمونة" (غير معروف من هي ميمونة ويعتقد انها من غير أزواج النبي عليه الصلاة والسلام) يعتبر حديث ضعيف، وقصة المرأة "عصمت الدين خاتون" التي مهرها كان توحيد جيشي مصر والشام للأسف قصة عاطفية حماسية مُفتعلة لا علاقة لها بسياسة القائد "صلاح الدين الأيوبي" ولو أردنا نقاش التاريخ هنا فالكثير سوف يُصدم لأن القائد "صلاح الدين" كان وزير في مصر لدى "الفاطميين" في عهد الخليفه "العاضد"، وأيضا قائد لجيش "نور الدين الزنكي" حيث ذهب لِ "مصر" لمساعدة الخليفة "الفاطمي" ضد "الإفرنجة" وبقي هناك حتى مات الخليفة وقام هو بعدها بالسيطرة على "مصر" وحين توفي القائد "نور الدين الزنكي" أخذ "الشام"، والسيدة "خديجة بنت خويلد" رضي الله عنها الزوجة الأولى لسيد البشر النبي "محمد" عليه ألف صلاة وسلام لم تزر "القدس" وفقا لما هو مروي، بل إن التاريخ "العباسي" المروي ظلمها كثيرا رغم أن لها الفضل الأكبر ومن أحشاءها جاءت سيدة نساء العالمين "فاطمة" رضي الله عنها ونسل الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام "الحسن والحسين" رضي الله عنهما، "فاطمة بضعة مني، يربيني ما يريبها، ويغضبني ما يغضبه".
هي رسالة لكل المتحمسين، رجالا ونساءاً، لا تقعوا في فخ المرويات الإسرائيلية التي أصبحت وكأنها مرويات إسلامية، ولا تقعوا في أحابيل البعض الذي أسلم بعد وفاة الرسول "محمد" عليه الصلاة والسلام رغم معاصرته له وبهدف إدخال دسائس ومرويات هدفها التحريف، و "القدس" ستبقى عربية ومقدسة كما "فلسطين" وكل البلاد العربية، دون أدنى حاجة لمرويات "توراتية"، والذي يجري الآن ليس سوى حلقة من حلقات الإستعمار الغربي الذي له أهداف للسيطرة والتحكم على الطاقة والثروات الطبيعية وطرق التجارة ومنع ظهور أمة عربية قادرة أن تتوحد وتُشكل حضارة عصرية كما فعلتها في غابر الأزمان، وكل الحضارات التي تأسست اليوم أخذت أساس علومها كافة وفلسفتها عن الحضارات التي ظهرت في المشرق العربي ومصر والأندلس "إسبانيا" وجلّها كانت حضارات عربية. لا تكونوا بوقاً للمرويات "التلمودية" بلسان مُسلم، فالجغرافيا الواردة في "القصص القراني" لا تُشير لما ساقه "العهد القديم" من خراريف وقصص شعبية وأبطال وهميين وتاريخ تم تحريفه ونقله من جغرافيا " ما بين النهرين" أو "اليمن" إلى فلسطين والقدس لإثبات مقولة "وعد الرب يهوة".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت