- جهاد حرب
أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكل لجنة "وطنية" للإصلاح في الشهر الفارط مهمتها الإصلاح الإداري، سواء ما يتعلق بالتشريع أو البناء الهيكلي للسلطة الفلسطينية وعلاقة الإداري بين مؤسساتها ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، مسألة مفاهيمية في مصطلح الإصلاح ذاته وفي أدواته ومآلاته المرغوبة من قبل صانع القرار أو ما يمثل الإرادة السياسية في البلاد، والمطلوبة من قبل المواطنين ومنظمات المجتمع المدني، أي شكل الإصلاح المفضي لإعادة ترميم العلاقة بين المواطنين ومؤسسات الحكم وبالأحرى النخبة الحاكمة.
فالإصلاح هي عملية مستمرة تراكمية مبنية على فحصٍ دقيق للواقع، وتمحيصٍ لدقائق الوقائع، ونظرٍ عميق لشكل الحادث وصورته، يتبعه تحليل لنقاط الضعف وعناصر القوة الكامنة في الحالة، ثم تفسير لأبعاد الاختلالات والفجوات والتحديات من خلال تتبع علاقات الفواعل السياسية والاجتماعية والتشغيلية للوقوف على أسباب القصور والتحول من المرغوب إلى غير المرغوب، أي تبدل الأحوال من حسن التدبر إلى قصور الإدارة والفعل. وذلك لاستخلاص العِبَر وفهم الدرس أو الدروس بهدف ترميم الصورة وإعادة توازن سير الإدارة وانطباق الرغبة والطموح والمأمول بالفعل الدقيق والعمل الموزون؛ لترميم صورة النظام السياسي وسلطة الحكم من جهة، والحوز على ثقة الشعب جهة ثانية، ونيل رضا المواطنين غاية كل دولة وحكومة وإدارة ومسؤول من جهة ثالثة، وتجويد الخدمة المقدمة للمواطنين وتحسينها من جهة رابعة، ومن جهة خامسة تطوير الإدارة ذاتها وضمان نزاهة العاملين فيها وشفافية اتخاذ القرارات وتفعيل مساءلة الإدارة والمسؤولين عنها وفيها كبيرهم قبل صغيرهم.
إن أي عملية إصلاح تحتاج بالضرورة إلى إرادة سياسية لدى النخبة الحاكمة واعية بأهمية الإصلاح ذاته وتمكين الفاعلين فيه بأدوات تتيح استيعاب المتغيرات ووسائل فاعلة في فهم السياق، وامتلاكهم أسلوبا قادرا على الإقناع بالخطوات الواصلة للغايات الخالصة والنوايا الصادقة فعلا وعملا وليس شكلا تحت ضغط المطالب الداخلية أو الضغط الخارجي؛ فالإصلاح لا يكمن في جمالية الصورة فقط أي التوصيات والقرارات والوثائق الصادرة عن لجنة الإصلاح ذاتها بقدر جوهر هذه القرارات وقدرتها على النفاذ والتطبيق بما يتلاءم مع البنية الثقافية للإدارة وعناصرها، ومع الموارد المادية والبشرية وقدراتها، ومع قيم الدولة وأحكام العقد الاجتماعي المتفق عليه في وثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي الحاكم لسلطات الدولة ومشروعية أعمال مؤسساتها السياسية والإدارية.
إن عملية الإصلاح الجادة تحمل في ثناياها تغييرات ذات دلالة في شكل النظام وآليات شرعيته، وفي مراكز النفوذ وقدراتها، وفي المراكز الوظيفية وممثليها، آخذين في الاعتبار نص الآية القرآنية {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} والقول المأثور "لكل زمان دولة ورجال" ونساء. الأمر الذي يتطلب تحمل تبعاتها، وحسن التصرف لحفظ كرامة الذاهبين وإضعاف سطوة القادمين، وتحصين مشروعية الأفعال، وبناء مؤسسات قوية مساءلة تقدم الخدمات المختلفة ملتزمة ببذل العناية الواجبة ومتحملة لمسؤولية فاعليتها القائمة على الالتزام بالعناية لتحقيق النتائج.
في ظني، إن أغلب الظن ليس اثماً، أن الإصلاح بمفهومه الشامل لا يكتمل دون اقترانه بأخواته؛ الإرادة السياسية، والإيمان بالتغيير، والقبول بتحمل تبعات التغيير الناجم عن عملية الإصلاح.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت