الكذبة المكررة في مقال سيء السمعة .. المفتي الحسيني وهتلر

بقلم: اماني القرم

أماني القرم
  • بقلم د. اماني القرم

      غريب أمر بعض اليهود حين لا يتركون فرصة إلا لتحريف الحقائق وصياغة الأكاذيب فيؤكدوا أنهم غير أهل للتعايش والسلام.. مارك ريجيف  السفير الاسرائيلي السابق في المملكة المتحدة وكاتب مقال اسبوعي في صحيفة جيروزاليم بوست  نشر مقالا بتاريخ 11 نوفمبر 2021 بعنوان صادم ومريب : " يجب على الفلسطينيين الاعتراف بدورهم في المحرقة " . مناسبته الظاهرة كما ورد على لسان الكاتب إحياء ذكرى معركة العلمين  11 نوفمبر 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بهزيمة قوات المحور بقيادة المانيا أمام الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا، وأدت الى وقف التقدم الالماني صوب الشرق وفلسطين الانتدابية . يتطرق ريجيف في مقاله الى الدور العربي الفلسطيني وتحديداً دور المفتي الحاج أمين الحسيني /الواجهة السياسية للفلسطينيين/ في ذلك الوقت، ويتساءل افتراضيًّا في أي فئة يمكن تصنيف الفلسطينيين لو وصل الالمان الى فلسطين؟؟ هل في فئة الشعوب التي ساعدت اليهود ضد السياسة الألمانية مثل الدنماركيين والبلغاريين، ام في فئة المتعاونين مع الألمان ضد اليهود مثل الاوكرانيين ؟؟ والحقيقة ان طرح مثل هذا السؤال الافتراضي الخبيث لتاريخ لم يحدث هو قمة الفوقية واللاسامية لأنه دعوة الى شيطنة العرب الفلسطينيين الساميّين والأجدر /بما أننا نتحدث افتراضيا لوقائع في الخيال/ طرح سؤال ماذا كان سيفعل الفلسطينيون  لو لم يمنح بلفور وعده المشئوم لليهود ؟؟ والجواب الافتراضي بناء على وقائع تاريخية حقيقية أن فلسطين ستتحرر من الانتداب البريطاني وتصبح دولة شأنها شأن مثيلاتها من البلدان العربية يعيش فيها كل من المسلمين والمسيحيين واليهود بكرامة وعزة !
بالعودة الى مقال ريجيف الأصلي الذي يجيب فيه عن السؤال الذي طرحه مسبقا قائلا: " .. في فلسطين كانت قيادة مستعدة ومتعاونة لتجنيد السكان المحليين لقتل اليهود" ، ومن ثم يبدأ هجوما شرسا ومكررا على  الحاج امين الحسيني رحمه الله متهما إياه باللاسامية والتعاون مع الألمان ودعم ما يعرف بالحل النهائي لليهود والابادة الجماعية والمساعدة في قتل مليون ونصف يهودي والضغط على بريطانيا لغلق ابواب فلسطين امام الهجرة اليهودية وغيرها ... والخلاصة أنه امين الحسيني رحمة الله عليه سبب كل مصائب اليهود التي حدثت والتي كان من الممكن ان تحدث في الخيال لو ولو ولو .. ولم ينس ريجيف  طبعاً أن يعرج في الاتهامات على الرئيس ابو مازن وأطروحة الدكتوراة  الخاصة به وكذلك تصريحات الفلسطينية الاصل عضو الكونجرس رشيدة طليب .. ريجيف يريد من الفلسطينيين الاعتراف بدورهم المزعوم وتحمل المسئولية حسب مقاله وشطب الرموز السياسية الفلسطينية من التاريخ الماضي والحاضر ..
بكل الأحوال هي ليست المرة الأولى للاتهامات المذكورة، وقد قتل الموضوع بحثاً وتمحيصاً علّهم يجدون دليلاً واحداً يربط الحسيني بالمحرقة ولا فائدة.  بالطبع لا يمكن انكار علاقات الحسيني مع الالمان بتاتا، ولكن يجب ان توضع في ظروفها وسياقها الصحيح ، فألمانيا لم تكن تحتل فلسطين ولم تمنحها لليهود زورا وبهتانا، فيما على العكس كانت بريطانيا وفرنسا تتقاسمان الاقليم ككل بينهما كأكبر قوتين استعماريتين في ذلك الوقت. وفي إطار لعبة التحالفات، من الطبيعي  أن يراهن الحسيني سياسيا على ألمانيا، فقط من أجل الدفاع عن فلسطين التي وهبتها بريطانيا الاستعمارية دون وجه حق لليهود .
أما فيما يتعلق باتهام الحسيني بأنه داعم ومشجع للمحرقة فهو اتهام سخيف جدا وباطل، وسبق أن دافع عنه كثر: يهود وأجانب وعرب ولا أريد تكرار الأمر. يكفي القول أن هتلر لم يكن ينتظر تشجيعا من شخصية المفتي العربي الفلسطيني لهوسه العرقي ضد اليهود، إضافة الى أن قرار الابادة الجماعية / كما يذكر التاريخ/ كان قد اتخذ  قبل لقاء الحسيني بهتلر بسنوات .
أحيانا تكون الدوافع مقدمة لأخطاء تاريخية لبعض المناضلين خاصة في ظروف سياسية بالغة الدقة، لكن أن يتم استغلال الامر وتكراره وتضخيمه بروايات كاذبة وافتراضات عارية تماما عن الصحة من أجل تشويه صورة شعب بأكمله وإظهاره كورثة للشياطين لإنكار حقوقه وخدمة مصالح صهيونية وتبرير احتلال أرضه والتطهير العرقي بحقه.. هذه هي اللاساميّة الحقيقية ..

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت