إلى دعاة الدولة ثنائية القومية، إليكم درس شكيم

بقلم: فايز أبو شمالة

فايز أبو شمالة

د. فايز أبو شمالة

حدث بينه وبين إحدى بنات يعقوب علاقة غرامية، ويقولون: إنه اضطجع معها، وهذا ما أغضب أخوتها وأغاظهم، هكذا جاء في رواية العهد القديم، وهي تتحدث عن شكيم، ابن أحد ملوك الكنعانيين، والذي هام حباً بالفتاة دينة، وعشقها حتى صار الجمر يحترق من لهيب قلبه، فطلبها للزواج، وألح على أبيه رئيس الأرض حمور أن يخطبها له من أبيها يعقوب، وكما جاء في سفر التكوين، الإصحاح 34، قال حمور ليعقوب وأبنائه: «شَكِيمُ ابْنِي قَدْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِابْنَتِكُمْ. أَعْطُوهُ إِيَّاهَا زَوْجَةً، وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ، وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا. وَتَسْكُنُونَ مَعَنَا، وَتَكُونُ الأَرْضُ قُدَّامَكُمُ. اسْكُنُوا وَتاجِرُوا فِيهَا وَتَمَلَّكُوا بِهَا».

لا أهدف من الاستشهاد بهذه الفقرة التأكيد أن أصحاب الأرض هم الكنعانيون، وأن يعقوب الذي صار اسمه إسرائيل كما يقول كتابهم المقدس، كان وافداً على أرض كنعان، ولا يمتلك منها شيئاً، استشهدت بهذه الفقرة كي أشرح فكرة التعايش، حيث أعلن الملك الكنعاني عن رغبته هو وابنه بالسلام، وعن مساعيهم الجادة للتعايش مع يعقوب وأولاده، وعن استعداده لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الشعوب، ونسيان الحروب، والجنوح إلى السلم، بل زاد ملك نابلس في التقرب منهم، حين قال: ونحن جاهزون للمهر الذي تطلبونه لابنتكم دينة.

فماذا رد أبناء يعقوب، الذين غدروا بأخيهم يوسف، ولم يأمن أبوهم خيانتهم؟

قالوا للملك الكنعاني: لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هذَا الأَمْرَ أَنْ نُعْطِيَ أُخْتَنَا لِرَجُل أَغْلَفَ، لأَنَّهُ عَارٌ لَنَا.

وطالب أبناء يعقوب من الملك حمور وابنه شكيم أن يختتنوا كشرط للمصاهرة، ولتزويج شكيم من اختهم دينه. وأضاف أبناء يعقوب: إذا تطهرتم يا قوم، نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا وَنَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِكُمْ، وَنَسْكُنُ مَعَكُمْ وَنَصِيرُ شَعْبًا وَاحِدًا.

هذا الشرط البسيط أعجب شكيم وأباه حمور، إنه السلام والمصاهرة والشراكة، وتقاسم اللقمة معاً، إنها الدولة ثنائية القومية، لذلك اجتهد الملك حمور وابنه شكيم في إقناع سكان المدينة كلهم بضرورة الختان، كي يأخذوا بنات يعقوب، ويزوجوا أولاد يعقوب من بناتهم. وقالوا لهم:

«هؤُلاَءِ الْقَوْمُ مُسَالِمُونَ لَنَا. فَلْيَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ وَيَتاجِرُوا فِيهَا. وَالأَرْضُ تتسع للطرفين، نَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ وَنُعْطِيهِمْ بَنَاتِنَا.

وعلى ذلك وافق جميع الذكور من الكنعانيين، وهللوا واحتفلوا بمعاهدة السلام، ووافقوا على شرط الختان، ليكون لهم نصيب من الصداقة والمحبة والتعايش والزواج من بنات يعقوب، وكي يصيروا شعباً واحداً مع أبناء يعقوب، ودولة واحدة ثنائية القومية، لهم الحقوق نفسها، وعليهم الواجبات نفسها.

وفي اليوم التالي، وبعد أن اختتن شباب المدينة كلهم، ولبسوا الجلاليب، وباعدوا ما بين أرجلهم متوجعين، غير قادرين على المشي والحركة، استل شِمْعُونَ وَلاَوِيَ أبناء يعقوب السيوف، وقتلا كل الرجال في المدينة، وقتلا الملك حمور وابنه شكيم بحد السيف، وسيطروا على المدينة، كما يقول كتابهم المقدس: وَسَبَوْا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ، وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ، وتركوا المنطقة خراباً، واتجهوا إلى الجنوب، إلى منطقة رام الله، أو كما يسمونها في معتقداتهم "بيت إيل"، حيث يزعمون أن الرب كلم يعقوب، وقال له: وَالأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أُعْطِي الأَرْضَ.

هذه التعاليم التوراتية تلخص العلاقة القائمة بين السلطة الفلسطينية والحكومات الإسرائيلية، فكل خطوة باتجاه السلام تكمن خلفها خطوة للقتل والسجن وسبي الأرض ومن عليها، فلا فرق بين بنيامين بن نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل السابق، وبين بنيامين بن راحيل زوجة يعقوب في كتاب العهد القديم، ولا فرق بين نفتالي بن بينت رئيس وزراء إسرائيل الحالي، وبين نفتالي بن بلهة جارية راحيل زوجة يعقوب في كتاب العهد القديم، فالمدرسة الفكرية لهم واحدة، والتغذية العقائدية لهم واحدة، والترجيع السياسي الناتج عن العقيدة لم يتغير عبر التاريخ، فالمنبع الذي يرتون منه أفكارهم، ويستلهمون منه سياستهم ما زال على حاله.

أردت بهذه المقاربة بين الماضي والحاضر صفع وجوه كل أولئك الحالمين بدولة ثنائية القومية، يتعايش فيها العربي مع اليهودي بأمن وسلام، وأردت بهذه المقاربة تسخيف منطق الحالمين بمفاوضات تعطيهم دولة، متجاهلين حسابات أعدائنا العقائدية، التي لا تلتقي مع أمنيات الباحثين عن التعايش، وأردت بهذه المقاربة أن أفضح سياسة المطبعين العرب، الباحثين عن زهر المحبة والازدهار على شجر الأحقاد والاحتقار.

ملحوظة: شكيم موقع أثري شرق مدينة نابلس في الضفة الغربية، يقوم عليه حالياً مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين، وهذه المفارقة الغربية بين الماضي والحاضر لتؤمد أن ما حل باللاجئين الفلسطينيين من نكبة 1948، لا تختلف بالمضمون عما حل بشكيم وأبيه!

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت