- د. أماني القرم
منذ تولي نفتالي ينيت رئاسة الحكومة في اسرائيل رفع شعاراً لمسار العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الديمقراطيين: لا خلافات ظاهرة في الصورة والنقاش خلف الابواب المغلقة، آملاً في فتح صفحة جديدة عنوانها تضييق الفجوة وإعادة بناء الثقة مع الحزب الديمقراطي بعد سنوات من التوتر الذي تعزز إبّان حكم ترامب / نتنياهو ..
ملفات ساخنة ومتتالية أثيرت في الايام الماضية ومازالت عالقة رفعت منسوب التوتر واستفزت الغضب الأمريكي/الذي لم يتجاوز التصريحات/ لكنها باتت توحي بتعمق الخلافات في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أهمها: اعلان الحكومة الاسرائيلية خطط بناء الاف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة الغربية، ثمَ تصنيف اسرائيلي لست منظمات فلسطينية مدنية "إرهابية"مما أشعل عاصفة سياسية عالمية، وأخيراً وهو الأبرز في حسابات إدارة الرئيس جو بايدن الإصرار على الوفاء بوعدهم الانتخابي بإعادة فتح القنصلية الامريكية في القدس مقابل رفض اسرائيلي .
جو بايدن على الصعيد الشخصي وبعيداً عن محددات العلاقة الثابتة مع اسرائيل والتي لا تتأثر بطبيعة الشخوص على رأس السلطة في كلا البلدين، هو صديق حميم وداعم أول لإسرائيل ولكنّه ليس صديقاً لسياسات ترامب السابقة ، ويعارض بشدة الطريقة التي أدار بها سلفه ملف القضية الفلسطينية شأنه شأن كثير من الليبراليين اليهود والديمقراطيين، لأن ترامب جعل من الولايات المتحدة متحدثا بلسان الجناح اليميني في اسرائيل وهو الأمر من وجهة نظرهم الذي أضر بموقعها كوسيط وكقوة كبرى في العالم ، كما أنه أضر بإسرائيل حيث أصبحت موضوعاً للتقاسم الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين بعد أن كانت مسألة غير قابلة للنقاش ..
لكن بينيت وحكومته لديهم من الحسابات السياسية والأيديولوجية ما يتعدى احترام وعود حليفه الامريكي الانتخابية . فاسرائيل التي وصفها هنري كيسنجر يوما ما بأنه لا توجد لديها سياسة خارجية وإنما داخلية فقط، بالفعل وبحجة الحفاظ على استقرار الحكومة الهشة وعدم فتح نافذة لنتنياهو لمهاجمة الائتلاف تم الاتفاق مع الامريكيين على تأجيل الموضوع إلى ما بعد اقرار الموازنة العامة والتي تمت بالفعل ، لكن سرعان ماخرج بينيت مصرّحا أنه لا توجد غرفة واحدة في القدس للقنصلية الامريكية! وتبعه وزير خارجيته يائير لابيد بأنه لا مانع من وجود قنصلية امريكية في رام الله !
الأيام القادمة ستكشف الاستراتيجية الاسرائيلية في هذا الشأن: بينيت وائتلافه يراهنون على أن الملف الفلسطيني ليس له أولوية على أجندة واشنطن والتصريحات الغاضبة الصادرة من هناك لا تترجم أفعالا على الارض، إضافة الى اقتناعهم بأن ادارة بايدن ليست بحاجة لمعارك خارجية إضافية أخرى فلديها ما يكفي من المعضلات كالتهديد الروسي بغزو اوكرانيا والمفاوضات النووية مع ايران وعواقب الانسحاب الامريكي من افغانستان . وعليه فالوقت والتسويف للمسألة ووضعها في اطار المساومات السياسية والقانونية هو الطريق لتهدئة الخلاف المباشر حولها .. والدليل دخول الكونجرس على الخط، فقد بعث 200 عضو من الحزب الجمهوري رسالة الى بايدن لحثه على عدم فتح القنصلية ، ودعمهم بعض الاعضاء من الحزب الديمقراطي. ناهيك عن بدء سلسلة من النقاشات حول الوضع القانوني لإعادة فتح القنصلية وضرورة طلب اذن وموافقة من الحكومة الاسرائيلية التي تسيطر على المدينة.
بالنسبة لنا كفلسطينيين فإن ملف إعادة فتح القنصلية في القدس أمر غاية في الاهمية لأنه بمثابة اعتراف ضمني أمريكي بوضع القدس المعقد، واختبار لمسار إعادة العلاقة الامريكية الفلسطينية .والمطلوب فلسطينيا عدم السماح لبينيت وحكومته باستغلال الوقت وتسويف الموضوع بحجج سياسية وقانونية واهية . فمكان القنصلية هو ملك للحكومة الامريكية وليست هناك حاجة للحصول على اذن اسرائيلي جديد . وترامب حين وقع اعترافه المشئوم بالقدس عاصمة لإسرائيل /لا قدر الله / لم يرسم حدودا لاسرائيل. فضلا على أن عدداً من الدول كالمملكة المتحدة وفرنسا لديهم قنصليات تخدم الفلسطينيين في القدس .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت