- د. طلال الشريف
لو وضعنا خط مستقيم لتقسيم الأحزاب الفلسطينية أين يقع كل حزب؟
فكرياً أو تجاوزاً، برنامج الأحزاب قسم قديما إلى يمين ويسار ووسط وما بينهما.
في البدء أو تاريخيا كان
"تيار اليمين" ومناصروه وأتباعه غالبا ما يدعون إلى التدخل في حياة المجتمع للحفاظ على تقاليد المجتمع على النقيض من
"تيار اليسار" الذي يدعو إلى فرض المساواة بين أفراد المجتمع الواحد.
وللتوضيح أكثر "الأحزاب اليمينية" تنادي بتعزيز وتمتين هيكل النظام الراهن بينما في الجانب المقابل "الأحزاب اليسارية" تدعو إلى تغيير جذري للأنظمة والقوانين ..
بداية هذا التقسيم في علم الإجتماع السياسي كانت عند قيام الثورة الفرنسية وعزل الملك، ويعتبر التصويت الأول الذي جرى في الجمعية الوطنية الفرنسية "المجلس التشريعي" على صلاحيات الملك المعزول هو انطلاق هذه التسميات، أي، ما سمي اليمين واليسار.
في فلسطين
الحزبان الكبيران، حماس وفتح، في الخارطة السياسية الفلسطينية هما "حزبي وسط"، رغم أن حماس هي بالتصنيف السياسي تأتي على يمين فتح، ويأتي على يمين حماس بالتدريج الجهاد الإسلامي وحزب التحرير وأقصى اليمين السلفية الجهادية.
ويأتي على يسار فتح بالتدريج فدا والبعثيين حزب الشعب والمبادرة الوطنية والجبهة الديمقراطية وأقصى اليسار الجبهة الشعبية والقيادة العامة، وقد تدرجت التسميات والمواقع على الخارطة السياسية دون منظور اقتصادي حقيقي يعكس شؤون مجتمعنا ويمكن ضبط سياسة أي حزب ويرقيه ليشكل الأساس الفكري لتقسيم الأحزاب تاريخيا وهذا راجع لسببين الأول عدم وجود ملامح للإقتصاد الفلسطيني والثاني عدم تطبيق الأطارات النظرية للبرامج الإجتماعية التي تكتبها الأحزاب ولا يمكن تطبيقها وتبقى الأحزاب في حالة زبائنية من المساعدات للجمهور لا يفيد عمل سياسي متميز لأنه في النهاية كل النشاطات بما فيها السلام والحرب هي سياسة بإمتياز وكما قيل أن الحرب هي تكثيف للسياسة لإحراز أهداف سياسية وليست هواية.
تصنيف تلك الأحزاب والمصطلحات لدينا تفاوتت تسمياتها على مراحل، أحياناً يقصد باليمينيين هم المتدينيين، وأحيانا يسمي اليساريون فتح باليمين ، والإسلاميين يسمون فتح واليساريين بالعلمانيين ومرة يتم الوصف كتيارات رزمة واحدة كالتيار الإسلامي أو التيار الوطني، أو كما يطلقها المثقفون، الإسلاميين والوطنيين والمهم أن تلك الهويات الفكرية والسياسية آلت إلى فوضى غياب الأصول الإقتصادية لكل تلك التيارات إسلامية كانت أم وطنية، ولذلك فالنتيجة أن أحزابنا فوضجية لا تقف على قاعدة صلبة من العمل السياسي لغياب الأساس الاقتصادي الحقيقي، ويشوبها التخبط في تحالفاتها المبنية على المنفعة الحزبية وليس على الفكر الناهض بالسياسة، ولذلك تجد مسيرة الأحزاب في فلسطين تتسم بالمنفعة في علاقاتها الداخلية وحتى الخارجية وليس بهدف دعم برامجها وتطبيقها ولا حتى دعم أداة النضال المنبثقة عن برنامجها، أي بمعنى لا تعمل تلك الأحزاب بأصول السياسة، وتغلب على سياساتها الفهلوة، ما عمق الشرخ بين وحدة مكونات الحركة الوطنية، وشروخ بين جماعات من نفس التيار ذاته، وكذلك الإسلاميين نفس النمط ولكن خبرتهم السياسية أقل، ولذلك احتكم ويحتكم الجميع لنفوذ العدد والامكانيات والسلطة والمال، والكبير يأكل الصغير ، ويستهين به، ودون تعلية وتقدير للفكر والمواقف السياسية التي أصبحت متذيلة للكتلتين الأكبر ، أو الممول، ولهذا ستستمر الفوضى ما لم تتطور تلك الأحزاب نحو فكر سياسي واضح.
على جانب الإسلاميين فالكتلة الأكبر لحماس وهي حالة "وسط" في الخارطة وتحجز العدد والتأييد الأكبر لجماعة الاسلام السياسي كما حدث في الانتخابات الأخيرة، وحتى لو خاضت حركة الجهاد تلك الانتخابات أو غيرها من السلفيين وحزب التحرير وحتى لو مارس من لم يمارس منهم العمل المسلح أو المقاومة، ستبقى حالة "وسطية حماس" الأكثر قدرة من جماعات الإسلام السياسي على جمع التأييد والمناصرة .
على الجانب الوطني فتح الكتلة الأكبر وهي حالة " وسط" على الخارطة السياسية وهي تحجز العدد والتأييد الأكبر عن باقي الأحزاب الوطنية حتى لو شاركوا في الانتخابات أو ارتفع صوتهم المسلح أو السياسي، كالجبهتين مثلا، فمنطق التركيب الثقافي في الشرق الاوسط كله تاريخيا، قديما وحديثا، غالبا ما تلعب فيه كتل الوسط الديني أو الوطني الدور الأهم والألمع، يتبعها أطراف اليمين أو اليسار المتدرج في التشدد.
إن أقصى مواقف اليمين واليسار بمحافظي اليمين وثوريي اليسار، فالسلفية الجهادية وحتى لو كانت داعش يميناً، والجبهة الشعبية والقيادة العامة هناك تراجعات طويلة أحيانا بسبب غياب الفعل الثوري، وأزمات طرفي أقصى اليمين وأقصى اليسار يغلب على فعلهم الموسمية ونقص الإمكانيات، ما يجعل الكتل في الوسط الديني كحماس والوسط الوطني كفتح متقدمة شعبياً، ولذلك فتح وحماس مازالتا تمتلكان الصورة والحدث والتأييد المتواصل من الجمهور.
هذه الفوضى الحزبية السياسية الفلسطينية كانت وستستمر معها ظهور جماعات سياسية وجماعات عسكرية وميليشيات مسلحة أحيانا تفرعها الأحزاب الكبيرة وتجعل من العمل السياسي والفكري زبائني واستخدامي ولا يتطور الفكر السياسي نحو أحزاب ديمقراطية راسخة قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية صعبة وتحمي تلك القرارات وهذا الفكر الزبائني أصاب الجميع وفي مقدمتهم فتح وحماس وانظروا لتعثرهم المزمن في استعادة الوحدة الوطنية والسعي للتهدئة دون نتائج تساوي الخسائر والآثر في غزة وإستمرار التنسيق الأمني وعدم تطبيق قرارات المجلس المركزي، وفي غزة والصفة لا يلتفتون لمعاناة الجمهور وكأنهم رهائن أو أسرى من شعب آخر وهذه أردأ أنواع الفكر السياسي أو حتى الوطني.
في اسرائيل لا تبتعد حالة الأحزاب كثيرا عن الأحزاب والجماعات الفلسطينية وإن باختلاف الشكل وليس المضمون لأن هناك أيضا إحتكام للأمن والجيش وتوصياتهم النافذة وتعطيل السياسيين وحربتهم في التأثير، وكذلك تفريعات الميليشيات الإستيطانية المسلحة والمنظمة وهي بالمناسبة خارجة عن القانون في دولة تدعي القانون فليس للدولة الديمقراطية المحتكمة للقانون ميليشيات ومستوطنين مسلحين ومنظمين خارج سلطة الدولة كما هو حادث فب اسرائيل، ولذلك الفكر السياسي والاحزاب في إسرائيل لا ترتقي لأخذ القرارات المصيرية الصعبة وتحميها وهذا مرض مزمن منذ قيام الدولة حين فشلوا طويلا في تقديم حلولاً لإنهاء الصراع، فمثلما أجهد المعارضون الفلسطينيون من جماعات ومسلحين وأحزاب قرارات واتفاقيات السلام على الجانب الفلسطيني أجهدها أيضا المستوطنون واليمين الديني ونتنياهو وبينيت والمتطرفين الحاليين كأقرب الأمثلة على الجانب الإسرائيلي، ما أجج الصراع والعداوة من جديد بين المجتمعين الفلسطيني والأسرائيلي وأضاعوا أكثر من فرصة سلام حقيقية.
لا فرق بين اليمين واليسار في اسرائيل ، اليوم اليمين واليسار مختلط وغير واضح المعالم نتيجة عدم الإلتزام بالبرامج الحزبية الفكرية الحقيقية وبقي الجميع يخضع للمستوى العسكري أي الجيش والأجهزة الأمنية وميليشيات المستوطنين.
الأساس الاقتصادي في الفكر الحزبي الاسرائيلي معطل أيضاً كما الفلسطينيين إلا قليلا لوجود قواعد اقتصادية تنظمها دولة بنيت منذ زمن وتخضع للحالة الأمنية ولذلك يغيب عنصر الاقتصاد من الفكر السياسي الحزبي أيضا في إسرائيل رغم محاولات مجموعات المصالح من الجمهور انتزاع حقوقهم وأصبحت الاحزاب فوضجية التقسيم على مقياس تقسيمات اليسار واليمين والوسط.
في السياسية الاسرائيلية توجد حالة نظرية في الفروق بين الأحزاب الكبيرة ولكن تبقى برامج اليمين واليسار متقاربة وفي حالة جمود نحو حرية التصرف بالقرار السياسي لأي كان في السلطة وهذا ملاحظ منذ ثلاثة عقود، وما الأزمة الأخيرة في فشل تشكيل الحكومات والانتخابات المتكررة التي أعقبتها في العامين الماضيين إلا إشارة واضحة لترهل العمل الحزبي وغياب الفكر السياسي البناء في اسرائيل وليست من تجليات الديمقراطية كما يصفها البعض، ويبقى القرار في الحرب والسلم في متناول الجيش والأجهزة الأمنية والاشتباك المتواصل لميليشيات المستوطنين.
من هنا، فعملية السلام متوقفة تماما منذ مقتل رابين، وصراع حزبي فوضجي في اسرائيل ولا يوجد عمل حزبي سياسي يحمل مضامين فكرية حقيقية بين الطرفين الفلسطيني والأسرائيلي، لأن الأمن متقدم على الحاجة للسلام عند الطرفين وهذا يحتاج تغييرات كبيرة لمنح السياسيين الأذكياء فرصة حقيقية فهم فقط القادرين على حل مشاكل مجتمعيهم وجلب السلام ولا أحد آخر خارجي أو عسكرييهم.
وهذا ينقلنا للمجال الامني وما يخص امن اسرائيل وهو ما يحدده الجيش والاجهزة الأمنية وخطط الاستيطان الخارج عن القانون، وليس الأحزاب السياسية المترهلة، ولذلك بقيت إمكانية الوصول لحل سياسي للصراع غائبة تماما كما هي غائبة في الجانب الفلسطيني الذي يحكمه الصراع ببن حماس وفتح ومؤيدي الطرفين من جماعات، وما يقرره العسكر كما في حماس أو ما تقرره أجهزة أمن السلطة والرئيس في رام الله، والنتيجة
" لم تعد هناك ولزمن طويل فرصة للسياسة والحلول السياسية الإبداعية للوصول للسلام الآن وفي القريب "...
الحال الفكري السياسي للفلسطينيين والإسرائيليين من بعضه مازال يقوده الأمن والعسكر والخارجين عن سلطة المركز لدى الطرفين وهذا يحتاج إلى تطور فكري سياسي حقيقي وفاعل لإنتاج سلام حقيقي ببن الشعبين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت