الإنسانية في الإسلام " أدِلَّة تُبطِل ما يَزعَمُون "

بقلم: علي شنن

دعلي شنن

بقلم/ د.علي شنن
أستاذ التخطيط الاستراتيجي والدراسات المستقبلية المساعد

كثيراً ما نُشاهد في الآونة الأخيرة هجوم شرس على الإسلام بحجة أن هذا الدين " الإسلام " لا يتبنى مفهوم الإنسانية في معاملاته وتشريعاته و طرائقه في معالجة مشاكل واشكاليات المجتمع الإسلامي العربي، ولعل المُحزِن المُبكي هُنا أن من بين من يُهاجمون الإسلام مفكرين ومثقفين ينتمون إلى شريحة المسلمين بحجة أنهم يتبنون مفهوم الإنسانية التي يفتقدها دين الإسلام ويعيشها ثقافة حياتية من هُم غير المسلمين من دول الغرب أو أصحاب الديانات الأخرى كما يزعمون .
وإن كان ما قد يُراد في هذا الصدد ما هو إلا كلامُ حق يُرادُ به باطل، وأن دينُنا الإسلامي هو دينُ الإنسانية الحق وهو الدينُ الذي جاء تكريماً وتشريفاً للإنسان وهذا ما تجلى واضحاً في القرآن الكريم في سورة الإسراء لقوله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾. فإنه يتوجب علينا أن نُظهر خُبث ما يضمرون من اتهاماتٍ باطلة يسعون من ورائها إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وإظهار هذا الدين بصورة وحشية تجعل الجميع يراه على أنه دينٌ لا يحمل في عقائده وتشريعاته وسُننهِ إلا ما هو مُخالف لمصطلح الإنسانية وما يُعكر صفو النفس البشرية ويُصيبُها بالخوف والرعب والهلع .
وحتى نستطيع الوقوف على عتبة الحقيقة، لا بُد في بداية الأمر أن نتطرق إلى ماهية الإنسانية، والوقوف عند كيفية التعامُل مع الإنسان قبل الإسلام وبعده، وتوضيح نظُرة الإسلام للإنسان، وكيف أيضاً يُنظَر إلى الإنسان من قِبَل من هُم ينتمون إلى غير الإسلام، بالإضافة إلى ذلك سيتم التطرق في هذا المقام إلى الأهداف الحقيقية التي يُراد الوصول إليها من خلال تشويه صورة الإسلام والمُسلمين .

● الإنسانية كمفهوم من وجهة نظر كل من العلوم و الإسلام؛

لعل أول ما يجول في فكر من ينطُق بكلمة الإنسانية أن هذه الكلمة تأتي ضد الحيوانية أو البهيمية، فالبهيمية على سبيل المثال تقودُنا إلى التفكير بمنطق ما هي طبيعة البهيمة وما تحتاجه تلك البهائم وأيضاً ما تتصف به، أما الإنسانية فهي بطبيعة الحال تعني الصفات التي تُميّز الجنس البشري عن غيره من الأنواع، وفي هذا الصدد فلقد وضع الكثير من العُلماء قد تعريفاتٍ مختلفة حول مُصطلح الإنسانية وكان لكُل منها أسلوب خاص يخدم توجهاتهم العلمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد نظر علماء الفلسفة إلى الإنسانية على أنها "هدفُ الأخلاق وأساسُ فكرة الواجب" ، بينما نظر عُلماء الاجتماع إلى الإنسانية على أنها "تُشكّل كائناً جماعياً يتطوّر مع الزمن"، وفي هذين التعريفين نجد أن مفهوم الإنسانية يرتبط بقيم معينة، مثل: الإحسان، والإيثار، والاحترام، والتعاطف، والأخوة، وقبول الآخر، والتفاهم، وغيرها، والتي تُعتبر مجموعة من الالتزامات الأخلاقية التي تُرشد الإنسان إلى كيفية التفاعل مع بني جنسه.
أما الإسلام، "فقد نظر إلى الإنسانية على أنها ركن عقدي وواقع تطبيقي. وهذا ما كان واضحاً فيما شرّعه الإسلام من حقوق وواجبات بين المجتمع الإسلامي بتكويناته المتعددة لكل فرد، سواء كان ذكرٍ أو أنثى. وقد حرص على رعاية حقوق الإنسان جميعاً والمحافظة على إنسانيته. كما حث الإسلام على الأخلاقيات الحسنة، حتى إن الغاية من رسالة الإسلام هي إتمام وإصلاح مكارم الأخلاق في نفوس الناس أجمعين، وقد قال الرسول:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». فالتسامح، وحُب السلام، والكرم، والرفق بالتعامل مع غير المسلمين كُلها صفات تدل على الإنسانية. ومن هُنا نجد أن الإسلام في توضيحُه للإنسانية ومتطلباتها كمفهوم كان أكثر شمولاً و تشعُباً بحاجات ومتطلبات الجنس البشري" . (مفهوم الإنسانية: ويكيبيديا، مع التصرف ).

●كيف كانت تُطبق الإنسانية قبل وبعد الإسلام عند المسلمين وغير المسلمين؛
• قبل الإسلام :
إن النظرة العامة للإنسانية قبل الإسلام ليست بخافية على أحد؛ فطبيعة الحياة بجميع مناحيها الظاهرة آن ذاك كانت تدل بوضوح على تردي الحالة الإنسانية، لا سيما أنه كان كان في ذلك الوقت سلوكيات تُناقض ما تحمله الإنسانية من ابعاد، والتي تم التخلص منها نهائياً بعد الإسلام، ومن الأمثلة على تلك السلوكيات الرق والعبودية ووأد البنات وعبادة الأصنام وقطع الأرحام وأكل الميتة والتعامل بقانون الغابة، وعلى الرغم من وجود عادات وتقاليد يتقبلها الجنس البشري إلى حدٍ ما في مجتمعاتنا العربية قبل الإسلام، إلا أن ذلك لا يصب في مصلحة الإنسانية المُطلقة عموماً، أو يمكننا القول بأن ما قد أتى به إسلامنا الحنيف يضع هذا الإنسان في مرتبة إنسانية أسمى و أعلى من ذلك.

• بعد الإسلام :
إنه مع ظهور الدين الإسلامي و ولوجه كدينٍ خاتم للديانات جامع للتشريعات مُرسِخاً للمعتقدات حافِظاً للحقوق ومُقراً بأهمية وقيمة وكرامة الإنسان، فإنه من البديهي أن تكون الإنسانية كمفهوم يُنظر إليها من خلال هذا الدين على أنها شيءٌ مُصان ومكفول بل ومحفوظ .
ولعل جميع الأديان السماوية بما تحمل من مُعتقدات وتشريعات أتت من أجل هذا الإنسان بهدف إصلاحُه وحماية ما تقتضيه إنسانيته، كذلك الدين الإسلامي فإنه بالإضافة إلى ذلك فهو يهدف إلى الصلاح الإنساني من خلال تحقيق متطلباته البشرية والنفسية و توفير تطلعاته الحياتية والحفاظ عليه وعلى كرامته الإنسانية، فالإسلام هو من حرم
الرق والعبودية ووأد البنات وعبادة الأصنام وقطع الأرحام وأكل الميتة، كذلك نهى عن الحسد والحقد وحارب الإرهاب وسعى بكل عقائده وتشريعاته إلى تبجيل الأخلاق، وقد ورد عن المعلم الأول في الإسلام رسول الله-صلى الله عليه وسلم أنه قال(إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ؟ قالَ: المتَكَبِّرونَ) .
ولعل الحديث عن نظرة الإسلام إلى الإنسانية يحتاج الكثير من المقالات، وأن في هذا المقال لن يسعفني ضيق المساحة المسموح بها للنشر من توضيح النظرة الحقيقية للإسلام اتجاه الإنسانية، ولكن أكتفي بآية واحدة من آيات كثيرة تحدثت عن تكريم الله عز وجل وتكريم الدين الإسلامي للإنسان و الإنسانيةُ، فقد قال الله عز وجل في سورة الإسراء {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.
ولو عدنا إلى ما قد طال الإنسان وإنسانيتهم بعد الإسلام من غير المسلمين، لعلمنا تماماً أن من هم دون المسلمين لم يكونوا إنسانيين البتة مع البشر، فما نجم عن الحربين العالميتين الأولى والثانية لهو خير دليل، فأي إنسانية تلك التي تسمح بالقضاء على الملايين من البشر في سبيل أن تحقق بعض الدول سيطرتها وتثبت قدرتها وتزيد من ثروتها؟!، أي إنسانية تلك التي سمحت بما حدث في هورشيما؟!، أي إنسانية تلك التي تغض البصر عما يحدُث منذ عقود طويلة في فلسطين من قتل وتهجير واستيلاء وسرقة للأرض والمقدسات؟!، أي إنسانية تلك التي تسمح بأن يموت أحد عشر شخصاً في كل دقيقة حول العالم بسبب الجوع؟!.

● ما الهدف الحقيقي المراد الوصول إليه من خلال تشويه صورة الإسلام والمسلمين؟

ليس المره الأولى التي يتعرض لها ديننا الإسلامي لهجمات من قبل أعدائه، كما أنها ليست المرة الأولى التي يكون فيها هدفاً لمرمى نبالهم في القنوات والشاشات وحتى الرسومات وغيرها، ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، ولعل ما يحدث من هجمات تتعمد التقليل من شأن الدين الإسلامي تأتي في سياق ما يتم طبخه سياسياً على مستوى العالم، فالحقيقة أن أكثر ما قد يُرعب الساسة في العالم هي وحدة الصف و الموقف، وهذا تحديداً ما يتصف به اسلامنا وتتمتع به الشعوب الاسلامية، فأهم ما يدعوا إليه الدين الإسلامي في جميع تشريعاته و عقائده وسُننه هو وحدة الصف الإسلامي واجتماع المُسلمون على قلب رجل واحد في مواقفهم و معتقداتهم وتعاملاتهم وكل أمورهم الحياتية، وهذا بالطبع ما يجعل منهم قوة ضاربة ومقاومة وصادة لكل ما يتناقض مع مصالحهم ومصالح دينهم، وبالتالي فإنهم باجتماعهم هذا يشكلون خطراً حقيقياً لصانعي القرار السياسي في العالم .
لذلك فإن أسلم طريقة للقضاء على تلك القوة التي تتمثل في جمعهم هي تشتيتهم، كذلك فإن اسلم طريقة لضمان أن أعدادهم لن تزيد هي تشويه صورتهم، وهذا ما بات واضحاً اليوم في الهجوم التي يشنه زعماء السياسة ضد الإسلام، يشتتون المسلمين من جانب ويسيؤون إلى سمعة الإسلام من جانب آخر .   
لذلك لا بد من نشر الوعي الكامل حول ما يتبناه ديننا الاسلامي من مبادئ وأساسيات نحو الإنسان والكون، ان يتم التأكيد على أن للإسلام نظرة نافذة حول كل القضايا المتعلقة بالإنسان في كل زمان ومكان، والعمل بكل الطرق و الوسائل على إثبات عكس ما يزعم أعداء ديننا الإسلامي، فهذا وجاب يقع على عاتق كل مسلم، كُلٌ من موقعه ومكانه وبما يستطيع وبما يملك .

والله أسأل أن يحفظ ديننا ويرد على أعدائنا مكرهم وسوء مخططهم . والحمدلله رب العالمين .

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت