- بقلم: رباح جبر
يصادف اليوم الخامس من كانون أول ( 12/5) من كل عام ، يوم التطوع العالمي الذي أقرته وأعلنته الأمم المتحدة في العام 1985 ، وذلك بهدف تشجيع التطوع في البلدان المختلفة لما له من أهمية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وفي فلسطين ولعقود طويلة ، اعتبر العمل التطوعي في فلسطين امتدادا ( للعونة ) المتجذرة تاريخيا في أوساط الشعب الفلسطيني منذ مرحلة ما قبل النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني عام 1948 ، وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967استمر العمل التطوعي وتطور وأخذ أشكالا مختلفة وارتبط – إضافة الى بعده التنموي الاقتصادي- بشكل وثيق في مقاومة الاحتلال وفي دعم الفئات والقرى المهمشة وفقراء المزارعين وتعزيز صمودهم في وجه الاحتلال الذي يحاول مصادرة أراضيهم واقتلاعهم من أرضهم .
ومن ابرز المحطات في العمل التطوعي الفلسطيني تجٍسّدت في المشاركة السنوية والأساسية للمتطوعين في الضفة والقطاع ، في مخيم العمل التطوعي الدولي السنوي في ( الناصرة) الذي كانت تقيمه بلدية الناصرة التقدمية برئاسة توفيق زياد – فاق عدد المتطوعين من الضفة والقطاع ألألف متطوع/ة في صيف 1987- والهادف إلى دعم بلدية الناصرة في مواجهة عنصرية الحكومة الإسرائيلية والتمييز السلبي ضد البلدية في الميزانيات المخصصة لها بسبب مواقفها الوطنية والتقدمية.
وفي الانتفاضة الكبرى التي اندلعت في نهاية العام 1987 ،اضطلع العمل التطوعي بدور بارز وأساسي فيها وفي ديمومتها ، حين انخرط عشرات آلاف المتطوعين والمتطوعات في تشكيل اللجان الشعبية ولجان الأحياء التي تشكلت في كافة المدن والبلدات الفلسطينية، الذين قاموا بزراعة الأرض وتوزيع إنتاجها على الجميع مما يشبه إلى حد كبير التعاونيات ، وفي التعليم الشعبي بعدما قام الاحتلال بإغلاق المدارس والجامعات وحراسة الأحياء من جيش الاحتلال والمستوطنين.
صحيح أن المتطوعين يقدمون بلا مقابل مادي أو أجر ، ولكنهم يأخذون الكثير ويكتسبون العديد من السمات والقيم والمهارات والمعارف والخبرات ، فمن خلال العمل التطوعي يتمكن المتطوعون من رؤية هويتهم ومنظومتهم الأخلاقية المنشودة وتكوين شخصياتهم ، ويكتسبون المهارات القيادية والخبرات والتجارب العملية ويوسعون مداركهم ويعززون ثقتهم بأنفسهم و وينموّن قيمة الإيثار وتغليب المصلحة العامّة والعمل الفريقي الجماعي.
لقد بدأت روح العمل التطوعي ومفهومه وممارسته بالتراجع التدريجي ، مع نهايات الانتفاضة الكبرى وتوقيع اتفاق أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية وذلك لأسباب عديدة أهمها،إحلال منظومة قيمية جديدة محل تلك التي كانت سائدة خلال الانتفاضة الكبرى وفي العقود التي سبقتها، وخاصة قيم الإيثار وتغليب المصلحة العامة على الشخصية ، لصالح قيم جديدة كحب التملك والفردية التي عززتها القيم الليبرالية. كما أن تراجع دور الأطر الجماهيرية التابعة للفصائل والأحزاب الفلسطينية، التي كانت تولي العمل التطوعي اهتماما خاصا، لما له من أهمية اجتماعية ووطنية وكونه يشل احد أدوات وروافع توسع وبناء هذه المنظمات.
إن دور المؤسسات الشبابية التي أنشأت بعد تأسيس السلطة وبتمويل أجنبي ، قد شوّهت مفهوم العمل التطوعي من خلال صرف مكافآت عالية لما يسمى بالمتطوعين ، وبالتالي لم يعد العمل تطوعيا بل مدفوع الأجر.هذا بالإضافة إلى البطالة وتردي الوضع الاقتصادي والهموم الحياتية والأسرية ، والتي يعتبر تلبيتها من الأولويات التي تتقدم على التطوع .
وقد لعب تراجع دور الجامعات في الإشراف المباشر على الأعمال التطوعية دورا رئيسيا في ضعف العمل التطوعي مما أتاح مجالا للاحتيال والإتيان بكتب شكلية من المؤسسات تفيد بان الطلبة قد تطوعوا فيها وذلك من أجل تلبية احد شروط تخرجهم.
كما أن اعتماد المجالس البلدية والقروية والمؤسسات المختلفة على التمويل الأجنبي في الأعمال التي تستهدف تطوير البنية التحتية والخدمات العامة ، بدلا من الاعتماد على الذات بما في ذلك جهد المتطوعين والمتطوعات المحليين المعطّل .
كل هذه العوامل أدت إلى تهميش وتشويه وتراجع العمل التطوعي ، بالرغم من أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة ،كلها تؤكد الحاجة الماسّة إلى إعادة الاعتبار للعمل التطوعي وتطويره ونشره على أوسع نطاق.
إن إعادة الاعتبار للعمل التطوعي الفلسطيني يتطلب:
1. ضرورة تشكيل مجلس وطني أعلى للعمل التطوعي من المؤسسات والجامعات والأطر الشبابية المعنية يضطلع بمهمة إعادة تنشيط العمل التطوعي.
2. تكثيف الحملات الإعلامية حول العمل التطوعي وأهميته الوطنية والاجتماعية والاقتصادية.
3. نشر الثقافة الخاصة بالعمل التطوعي والقيم الاجتماعية التي يكتسبها المتطوعون في نفوس طلبة المدارس وتخصيص أيام محددة لهم للقيام بأعمال تطوعية.
4.استعادة الجامعات لدورها من خلال الإشراف المباشر على الأعمال التطوعية التي يقوم بها الطلبة.
5. تخصيص أيام محددة وأسابيع محددة وطنيا للعمل التطوعي في مواسم محددة كمواسم التشجير وقطف الزيتون والبرتقال وغيرها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت