- حسن عبادي/حيفا
صدر عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافية رام الله وعمان كتاب "راشد حسين ويسكنه المكان- دراسات وقصائد مختارة" لصديقي الباحث والأكاديمي والمترجم الفلسطيني الدكتور نبيل طنوس، ويقع الكتاب في (184) صفحة.
للوحة الغلاف من تصميم الفنان محمد جولاني قصّة؛ وكما رواها لي نبيل، على ما أذكر، شارك في أمسية أدبيّة لامتياز ذياب وشدّته صورة لراشد، بَحبَش عنها ووجدها بريشة محمد وأصرّ أن تزيّن كتابه الذي كان في مراحله الأخيرة، وفعلًا أجرى الاتصالات حتى حصل على الحقوق لنشرها بصورة شرعيّة دون قرصنة، ولكن وافت المنيّة فنّاننا قبل أن يشاهدها على الكتاب فلروحه الرحمة والسكينة، ومن الجدير بالذكر أنّ الدكتور عصام عساقلة قد قام بمراجعة الكتاب لغويا وتحريره.
امتنع د. نبيل عن الاعتماد على التقديم الغَيري كعتبة نصيّة توجيهيّة للقارئ المتلقّي مشيرًا إلى مقوّمات الكتاب الفنيّة متعديًا على النص وكوسيلة تسويقيّة وهو بغنى عن ذلك، ووُفّق.
بدأ الكتاب بتوطئة بقلمه بيّن فيها علاقته وتعلّقه بشعر راشد حسين؛ منذ كان طالبًا في الابتدائيّة وحفظ عن ظاهر قلب، كغيره من أبناء جيله، بيت الشعر الذي تغنّينا به وزرع فينا الاعتزاز والفخر بأنفسنا وبشعبنا (وأذكر أنّه كان ملصقًا إجباريّا في غرف السكن في الجامعات):
سنُفهِم الصخر إن لم يفهم البشر أنّ الشعوب إذا هبّت ستنتصرُ
اشتمل الكتاب في قسمه الأول على ثلاث دراسات، نُشرت في مجلّات محكّمة، تناولت ثلاثة موتيفات: المكان والألوان والمرأة، في شعر راشد حسين.
يحيل الباحث القارئ إلى مجموعة من المصادر والمراجع التي استند عليها في دراسته لهذه الثيمات الثلاث (المكان، والألوان، والمرأة).
أما القسم الثاني من الكتاب فيختار د. نبيل مجموعة من قصائد راشد حسين ليعيد نشرها، وبلغ عددها (34) قصيدة، واختارها من ديوان "مع الفجر" و"صواريخ" و"أنا الأرض لا تحرميني المطر"، ومن المجموعة الكاملة.
يختم د. نبيل كتابه بملخص يتناول فيه سيرة الشاعر راشد حسين وأعماله الأدبية وأبرز الدراسات التي تناولت أشعاره، ويزوّد الباحثين والقرّاء بمجموعة من الروابط لأشرطة الفيديو التي تناولت راشد حسين أو جانبًا من حياته أو بعض قصائده الصوتية أو المغنّاة، وكلها متوفرة على موقع اليوتيوب.
"لأنكِ أُمِّي.. أُحبُ الجليلَ
وحيفا ويافا.. فأهواكِ أكثرْ"
كُتب عن راشد حسين الكثير وتناوله النُقّاد والباحثون، وحين قرأت مخطوطة هذا الكتاب حول أشعار راشد وجدتها تحمل طابعًا آخر وحملتني إلى أماكنه المختلفة وألوانه و"نسائه"، قرأها الدكتور نبيل طنوس قراءة مغايرة، ليبسّط معالمها، موضّحًا رموزها ودلالاتها، عمقها وأبعادها ليضفي عليها بعدًا آخر وتصير ثلاثيّة الأبعاد، ليفكّ رموزها المُشَفّرة كي تصل بسيطة بعمقها وبُعدِها وعميقة بمعانيها ومفاهيمها.
جاء هذا الكتاب بعيدًا عن القولبة النمطيّة، بعيدًا عن الشعاراتيّة المقيتة والتقديس والتأليه، مُطعَّمًا بثقافة كاتبه ومعرفته، بأسلوبه البسيط ممّا لا يقلّل من عمقه وشموليّته.
من يقرأ الكتاب، يفهم ويستوعب عمق أشعار راشد، يذوّتها ويتذوّقها ويحبّ فلسطينه ويهواها أكثر.
أتّفق مع ما كتبه أستاذي كمال حسين، شقيق راشد، في كلمة الأسرة التي جاءت في بداية الكتاب: "جاءت هذه الدّراسة للدكتور نبيل طنوس، إلى جانب دراسات أكاديميّة حديثة أخرى، محاولة ناجحة مباركة أعادت راشد إلى الضّوء، فأتاحت للأجيال التي لم تسمع به فرصة للتعرّف على سيرته، وقراءة إنتاجه الأدبيّ، فساهمت بذلك في إنصافه، وبدّدت الكثير من العتمة التي ظُلِّل بها". نعم، يهدف الكتاب إلى أن يضيء على شعر شاعر وُصف أنه "رائد أدب المقاومة شعرا ونثرا".
وأخيرًا؛ شرّفني نبيل بمرافقته حفل إشهار وإطلاق وتوقيع الكتاب في معرض عمان الدولي للكتاب، وكذلك أمسية مناقشته مع مجموعة "أكثر من قراءة" الأردنيّة والاستماع إلى مداخلات صديقيّ؛ الروائي أحمد أبو سليم والشاعر صلاح أبو لاوي، وقد شارك الكتاب في معارض دوليّة في العالم العربي.
ألف مبارك لنا ولك هذا الإصدار وننتظر الإصدار الثالث من ثلاثيّتك الإبداعيّة؛ فبعد محمود درويش وراشد حسين جاء دور سميح القاسم!
حسن عبادي/حيفا
***مداخلتي في الصالون الأدبي لمنتدى الكلمة في مرسم الفنّانة الكاتبة تغريد حبيب (دير حنا)
(السبت 04.12.2021)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت