- جهاد حرب
يحيي محاربو الفساد على المستوى الدولي والمحلي اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهم يدركون أنه لا توجد عصاً سحرية للقضاء على الفساد أو أفعال الفساد بضربة واحدة. لكنهم يؤمنون بمواصلة العمل لتحقيق الغاية الأساسية بوجود عالم خالٍ من الفساد.
يعلم محاربو الفساد أن الإرادة السياسية ما زالت ضعيفة في هذا المجال لدى أغلب الحكومات؛ بخاصة في الدول التي تغيب عنها الحياة الديمقراطية القائمة على نزاهة الوصول إلى الحكم عبر انتخابات حرة ونزيه ودورية تتيح تكافؤ الفرص للجميع للتنافس والمشاركة وباحتمالية الظفر بها من جهة، وضعف سيادة القانون القائم على المساواة بين المواطنين أمام المحاكم وفي تنفيذ القانون على الجميع دون اعتبارات تمييزية لفئات أو أشخاص بسبب مكانتهم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية من جهة ثانية، وإعمال مبدأ فصل السلطات القائم على منع احتكار سلطة واحدة لاختصاصات وصلاحيات السلطات الأخرى أي بمعنى أخرى وجود كوابح تمنع التغول وتحد منه.
يؤمن المحاربون أيضا أن أي نظام سياسي يرغب بتحصين ذاته من الفساد وتقليل فرصه وإدارة مخاطره يتطلب تبني ثلاثة عناصر رئيسية لها تأثير مزدوج ليس فقط في الوقاية من الفساد، بل تساعد على منح الثقة بهذا النظام ومكوناته السياسية وعلى استقراره وتحد من الاحتجاجات السياسية والانفجارات الاجتماعية في البلاد. يتعلق العنصر الأول بالشفافية أي وضوح آليات اتخاذ القرار وإدارة الحكم من جهة، والإفصاح كذلك عن المجالات التي يمكن أن تشكل تضاربا للمصالح عند اتخاذ القرار للجهات المقررة سواء على المستوى السياسي أو الإداري "المهني" من جهة ثانية، وإتاحة المعلومات الكاملة في الآجال اللازمة وبأقل تكلفة الأمر الذي يظهر الإمكانيات المتوفرة أو المحدودة وتتيح للجمهور القدرة على تقدير صوابية القرار أو تقديم مبررات لمثل هكذا قرار من جهة ثالثة.
أما العنصر الثاني في مجال الوقاية من الفساد يتعلق بالتشاركية أي فتح فضاءات ومساحات وأطر لمشاركة المواطنين كخبراء ومراكز البحث وبيت الخبرة كمنظمات المجتمع المدني أو المجموعات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في صنع القرارات والسياسات العامة التي تتيح وجود مساهمات واسعة من قبل الشركات وذوي المصالح المختلفة من الاتفاق على قواعد محددة للشراكة من جهة، وتساهم في منح ملكية جماعية لهذه السياسات والقرارات مما تعزز من قدرة الدفاع عنها من قبل أطراف متعددة شاركوا في صناعتها.
فيما يشكل العنصر الثالث المساءلة المجتمعية أي أن المسؤولين "المنتخبين والمعينين" محمولون على تقديم تقارير عن أعمالهم تحتوي ليس فقط الإنجازات بل أيضا ما لم يتم تحقيقه وفقا للخطة الموضوعة أو الإلتزامات والوعود التي قدمها هذا المسؤول أو ذات، وعلى الفجوات والإخفاقات والتحديات التي تواجه العمل وتقديم الخدمة العامة اللازمة، وكذلك تقديم التفسيرات والتبريرات لاتخاذه القرارات، والرد على الاستفسارات والأسئلة الموجهة له من قبل مسؤولية الأعلى منه رتبة ومن المواطنين ومجموعات المصالح ووسائل الإعلام بما في ذلك حضور جلسات استماع عامة.
مما لا شك فيه أن المزاوجة بين أركان النظام الديمقراطي الثلاث؛ الانتخابات "الدورية والحرة والنزيهة" وسيادة القانون وإعمال مبدأ السلطات، وبين مرتكزات نزاهة الحكم المحمولة على؛ تكافؤ الفرص للوصول إلى السلطة وشفافية إدارة الحكم واستقلالية وحيادية وفعالية مؤسسات الرقابة الرسمية، تمنع من الفساد السياسي واختطاف الدولة لصالح أفراد أو مجموعات سياسة محددة ومحدودة، وتحد من إمكانية انتشار الفساد في الإدارة العامة، وتتيح فرص لتحصين النظام وللوقاية من الفساد، وتزيد من العدالة الاجتماعية والاستقرار في البلاد، وتمنع الانفجارات الشعبية والفوضى والفلتان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت