- خالد أحمد
الفساد ظاهرة عالمية تنتشر في جميع المجتمعات بغض النظر عن مدى تقدمها أو تراجعها ،وهذه الظاهرة تنعكس على المجتمع بشكل سلبي من خلال تكريسها مبدأ عدم المساواة والظلم بالإضافة لانتهاكات حقوق الإنسان المختلفة ،ويعتبر الفساد السبب الرئيسي في تراجع الأداء الاقتصادي وزيادة معدل البطالة والفقر كما يرتبط مفهوم الفساد عالميًا ومحلياً بالرشوة أو بالحصول على المال العام دون وجه حق ؛ لذلك تنبهت الكثير من الدول لما يشكله من مخاطر عليها فقامت بإنشاء أجهزة رقابية مختلفة كهيئة النزاهة وهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة وديوان الرقابة وسنت قوانين وتشريعات تجرم هذا الفعل بالحبس و/أو الغرامة إلا انه مازال يضرب أطناب غالبية دول العالم الثالث من بينها فلسطين بكل أسف ،وربما يرجع ذلك لغياب الإرادة الحقيقية في محاربته.
فالفساد في العربية من فسد، والمعنى اللغوي للفساد هو عكس معنى الصَلاح وفي الإنجليزية يسمىCorruption" " وهو التعفن أو فساد الأخلاق، وفي الاصطلاح هو سلوك غير قانوني يهدف إلى تحقيق مصلحة لذات الشخص أو لغيره وتضرب الرشوة عادة كمثال واضح على الفساد ،ويمكن تعريف "الفساد" وفقاً لمفهوم "منظمة الشفافية العالمية" بأنه سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الشخصية علي حساب المصلحة والمنفعة العامة ، كما عرّفه البنك الدولي بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد.
والسلوكيات التي ينطبق عليها التعريف السابق وان كانت تشمل سلوك الرشوة، إلا أنها لا تقتصر عليها، فالمحسوبية والحزبية والجهوية والعشائرية والتفرقة على أساس من أسس متعددة (العرق، الدين، الجنس...) كلها يمكن أن تكون أو تنطوي على سلوك غير قانوني يهدف إلى تحقيق مصلحة لمن يمارسها أو لمن تُمارس لصالحه.
أنواع الفساد
يتواجد الفساد في مختلف المجالات، وينقسم إلى ما يلي:
الفساد الإداري (البيروقراطي):
وهو ما يتعلق بالجانب القانوني والإداري في المؤسسة ،ويقصد به كل تصرف غير قانوني أو غير أخلاقي يصدر عن العاملين في المؤسسة حين تسمو المصالح الفردية على الصالح العام ،ويؤدي ذلك إلى هدر مصادر الدولة الاقتصادية ويؤثر سلباً على التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، ولعل أكثر الأمثلة انتشاراً على الفساد الإداري هو الواسطة والمحسوبية، ويمكن تعريف الواسطة على أنها التدخل لفرد دون مراعاة أصول العمل أو الكفاءة. أما المحسوبية فهي استغلال الفرد لمنصبه أو مكانته لتنفيذ أعمال دون وجه حق لصالح أفراد أو جماعات ،ومن الأوجه الأخرى للفساد الإداري استغلال النفوذ الوظيفي وهو الاستفادة من الوجود في السلطة من أجل الحصول على منفعة، أو التأثير بشكل قانوني أو غير قانوني على قرار جهة أخرى من أجل الحصول على منفعة ما .
- الفساد المالي (المؤسسي):
هو مخالفة القواعد والأحكام المالية من أجل الحصول على مكاسب مادية غير مشروعة أو مخالفة قواعد السلوك من قبل الموظفين في مؤسسة ما ،وذلك لحصولهم على منفعة مالية ،ومن أبرز مظاهر الفساد المالي الرشوة والتي تتمثل بتلقي أو إعطاء شيء ذي قيمة مادية من أجل القيام بعمل يخالف القانون أو تسهيل إجراءات معينة أو لحصول مقدم الرشوة على خدمة أو حق من حقوقه لم يكن ليحصل عليه لولا تقديمه لهذا الشيء.
والوجه الآخر للفساد المالي هو الكسب غير الشروع، حيث يتحصل الموظف على الثروة والممتلكات نتيجة عمله في الإدارة العامة، وبالغالب يصعب معرفة مدى مشروعية هذه الأموال لذلك قامت المملكة الأردنية الهاشمية على سبيل المثال بإقرار قانون الكسب غير المشروع الذي يلزم الموظف العام بتقديم إقرار للذمة المالية أثناء فترة عمله لدى الإدارة خلال فترة دورية.
- الفساد السياسي (فساد القمة):
يرتبط هذا الفساد في الشق السياسي للدولة أي الحكام أو أعضاء البرلمان أو قادة الأحزاب السياسية وغيرهم ،وهو استغلال السلطة من أجل الحصول على مصالح شخصية لحزب ما أو لجماعات معينة ،و تتعدد مظاهره حيث يدخل ما تقوم به السلطة التنفيذية من سيطرة وتغول على باقي السلطات ضمن الفساد السياسي مما يسمح لها بأن تقوم مقامهم دون أي رقابة من سلطة التشريع.
الأسباب
وفقًا لدراسة استقصائية أجريت عام 2017م نُسبت العوامل التالية كأسباب للفساد:
- جشع المال والرغبات.
- مستويات أعلى من السوق والاحتكار السياسي
- تدني مستويات الديمقراطية وضعف المشاركة المدنية وضعف الشفافية السياسية
- مستويات أعلى من البيروقراطية وهياكل إدارية غير فعالة
- ضعف حرية الصحافة
- ضعف الحرية اقتصادية
- انقسامات عرقية كبيرة ومستويات عالية من المحسوبية داخل المجموعة
- عدم المساواة بين الجنسين
- الفقر
- عدم الاستقرار السياسي
- حقوق ملكية ضعيفة
- عدوى من دول مجاورة فاسدة
- انخفاض مستويات التعليم
- عدم الالتزام تجاه المجتمع
- عائلة باهظة
- تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
وقد لوحظ أنه عند مقارنة الدول الأكثر فسادًا مع الدول الأقل فسادًا ، فإن المجموعة الأولى تحتوي على دول ذات تفاوتات اجتماعية واقتصادية هائلة ، والأخيرة تحتوي على دول تتمتع بدرجة عالية من العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
الوقاية
تقول معادلة كليتغارد المعدلة إن تقييد الاحتكار والسلطة التقديرية للهيئات التنظيمية للأفراد، ودرجة عالية من الشفافية من خلال الرقابة المستقلة من قبل المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى وصول الجمهور إلى المعلومات الموثوقة، يمكن أن تقلل من المشكلة ،وقد تناول الاقتصادي الشهير البلغاري "Simeon Dyankov" "سيميون دجانكوف" وغيره من الباحثين بشكل مستقل الدور الذي تلعبه المعلومات في مكافحة الفساد مع أدلة من كل البلدان النامية والمتقدمة؛ ضرورة اطلاع الجمهور على المعلومات المالية للمسؤولين الحكوميين لارتباط ذلك بتحسين المساءلة المؤسسية والقضاء على سوء السلوك مثل شراء الأصوات، مع ضرورة الإفصاح عن مصادر دخل السياسيين والالتزامات ومستوى الأصول بدلًا من الاكتفاء بمستوى الدخل فقط لما له من تأثير إيجابي ملحوظ ، كذلك يجب القضاء على أي جوانب خارجية قد تقلل من الأخلاق ويجب على الدولة أيضًا أن تنشئ ثقافة للسلوك الأخلاقي في المجتمع شريطة أن تكون الحكومة قدوة حسنة من أجل تعزيز الأخلاق الجوهرية.
تعزيز مشاركة المجتمع المدني وتقوية الوازع الديني
وجود آليات تصاعدية (من القاعدة إلى القمة) يصاحبها تعزيز مشاركة المواطنين مع تشجيع لقيم النزاهة والمساءلة والشفافية، تعتبر من العناصر الحاسمة في مكافحة الفساد فقد أدى تطبيق «مراكز المناصرة والاستشارة القانونية» اعتبارًا من عام 2012م في أوروبا إلى زيادة كبيرة في عدد شكاوى المواطنين ضد أعمال الفساد التي وردت وتوثيقها، وكذلك في تطوير استراتيجيات من أجل الحكم الرشيد من خلال إشراك المواطنين الراغبين في
محاربة الفساد، والعمل في نفس الوقت على تقوية الوازع الديني لدى الناس فلو رجعنا إلى الكتاب العزيز سنجد كلمة فساد تكرّرت كثيراً وبأوجه متعددة تبيّن محاربة المولى عز وجل الشديدة لهذا النوع من الصفات ففي النهي يقول سبحانه وتعالى "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" وفي التذكير يقول الحق تبارك وتعالى: "فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ". صدق الله العظيم .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت