أعلن أدباء ونقّاد وأكاديميّون، يوم السبت، عن تأسيس جمعية اللغة العربية في فلسطين، وهذا نص البيان التأسيسي كما ورد لوكالة قدس نت للأنباء:
اللغة من أعظم مكوّنات هويّة الأُمّة، وحاضن حمولتها المعرفية. واللغة العربية وعاءٌ ثقافيٌّ وإطارٌ قوميٌّ، وهي سياجٌ حضاريٌّ، ولسان الدّين الحنيف، ومنطوق هذه الأُمّة، المعبِّر عن الذات والثقافة العربية الشاملة، وهي آصرةٌ متينةٌ تربط جميع الناطقين بها برباطٍ متينٍ. وعلى الرغم من التاريخ المشرِّف للغة الضاد المهيبة، إلا أنها تراجعت عن موقع القيادة والريادة، بل تعثَّرَتْ خطاها وأضحَتْ في مأزقٍ ومحنةٍ، واعتَرَتْنا لَكنةٌ هجينةٌ، وأصاب لسانَنا عوجٌ لا يستقيمُ معه بيان.
من هنا يبرز دور جمعية حماية اللغة العربية، في فلسطين، لتكون حلقةَ الاتِّصال وهمزةَ الوصْل بين كافّة المؤسسات والهيئات، وملتقى الأفراد، لتُثير الاهتمام بقضايانا الوطنية والعربية، وتحفّز الهِمَم وتنبِّه الجميع إلى مكمن الداء ومواطن الخلل.
ولغتنا العربية تواجه اليوم عدداً من التحدّيات والمشكلات، من إهمال أهلِها لها إلى مزاحمة اللغات الأجنبية لها في عُقْر دارها. واستناداً إلى هذه الحقائق وبناءً عليه؛ فقد تمَّ تأسيس جمعية حماية اللغة العربية في فلسطين.
ونعلن من مدينة رام الله، اليوم الثامن عشر من شهر كانون أول 2021 (اليوم العالمي للاحتفاء باللغة العربية)، رسميّاً، جمعيةً خيريةً (غير ربحيّة) تُسَمَّى "جمعية حماية اللغة العربية (ضاد)".
إن هذه الجمعية في فلسطينها، والتي تعلن حضورها في الحياة الثقافية والوطنية الفلسطينية والعربية والإسلامية، هي وعدٌ بالتواصل والحراسة، عبر جَمْعِ تراثنا الإبداعيّ اللغويّ وتوثيقِه، وتطوير الآليات الجديدة ومنحها الفضاء اللازم لتقديم مشروعها، لتدعيم وحماية الضّاد وتعميقه، والعمل باتجاه إقرار القوانين والأنظمة التي تحمي لغتنا، وتصون كرامة الكاتب والمتحدِّث والنصّ، وتنظيم البرامج والأنشطة والفعاليات مع المحيطَيْن العربي الإسلامي والعالمي لكسْرِ الاستلاب والتزوير الذي مارَسَهُ الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ ثقافتنا وأسمائنا، ولمّا يَزَلْ، ولخلق حالةٍ من التخارُج مع أهل العربية، والانفتاح على المشروع العربي بهذا الخصوص، وإيصال المُساهمة الفلسطينية إلى كل المتلقّين، بكل الوسائل، للنفاذ والتعميم، والعمل على توحيد الجهدَيْن الثقافيّ واللغويّ الفلسطينيّ والعربيّ في الوطن والمنفى والمهجر، بعيداً عن اقتراحات السياسة وتقسيماتها.
وجمعيّتنا هي منطقةٌ حرّةٌ من دون سقوفٍ واشتراطات، ووسيلةٌ للمتحدّثين بالعربية السليمة لتعميق مشروعهم الإبداعي وتكريس دورهم في تأكيد العافية للضاد والمحافظة عليها، ورغبتهم في الإضاءة على مضامين الضاد وجهدها في إغناء الحياة وحراسة الحلم وتقديم الحمولة الحضارية الباذخة.
لسنا خصومَ السياسيّ، ولسنا خِطابَهُ، أيضاً، بقدر ما نسعى إلى تعميق مفهوم "التجاوز" والبحث عن كلّ ما يؤدّي إلى الكمال والتكامل بين أبناء الأُمّة الواحدة ، بعيداً عن دعوات القُطْريَّة والانكفاء والتشظّي. ولسنا بديلاً لأيّ مؤسسة ثقافية أو لغوية، بتعدُّد إطاراتها وتنوّع أهدافها، بل نحن استكمالٌ لدورها، وإضافةٌ نوعيةٌ إلى جهدِها المبذول.
إنّ تأسيس هذه الجمعية في فلسطين يتغيّا تأسيس فضاء الحماية والمناعة والاقتراح والتجريب والتجديد والبحث عمّا هو أعمق في تجاربنا لصيانة لغتنا، وهو محاولةٌ من مبدعي فلسطين لتجاوز حاجز الجغرافيا والسياسة الذي فَرَضَ تقسيماتِه على واقعهم، نحو وحدة المشروع الثقافي العروبي، والوحدة المبنيَّة على المشترك المتين والحوار والتواصل وتثبيت الجسور مع عمقهم العربي الإسلامي والإنساني.
وإنّنا في الجمعية نرى أنّ ارتباكاً مؤلِماً قد أُضيفَ إلى مكوّنات اللغة، سواءٌ عبر قصد الآخرين أو جهلهم، بكل ما حمله هذا الارتباك من تشويهٍ لصورة اللغة الأمّ الجامعة ودورها المحوريّ، وكلّ ما أدَّى إليه من محاولةٍ لإكمال طوق العزل والإساءة والتشويه والتحوير والتزوير الثقافي، الذي تمارِسُه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على شعبنا وثقافتنا، ومن خلال مصطلحاتٍ ومسمّياتٍ فقَدَتْ وجاهتَها ومعناها وجدواها وحدودَها. ونعلن أننا نرفض فكرة التطبيع بما هي روايةُ الآخَرِ عنّا وعن نفسه، لكننا لا نخلط بين ضرورة المعرفة وضرورة تطوير أدواتها، هذه الضرورة القادمة من خصوصية المكان الفلسطيني ولحظة الاشتباك الشامل مع العدو المحتل، في كل زاويةٍ من زوايا حياتنا، وهي معرفةٌ لا يمكن لنا أن نواصل دورنا دُونَها.
إنّ الجمعية تفتح ذراعيها وقلبها لكل مساهمةٍ ودوْرٍ ومُنتَجٍ يتغيّا الجَمال والمناعة والحماية، وينحاز للقيم الوطنية العروبية والإنسانية العليا والمُطلقة، في مواجهة كلّ المفردات السوداء المُعادية للحقّ والحقيقة والحرية والمساواة والعدالة، والسلام الذي يمكّن الشعب الفلسطيني من حقوقه كاملةً غيرِ منقوصةٍ وغير القابلة للتصرُّف.
وتسعى الجمعية لأن تكون رافعةً لإنهاض البحث والدراسة، وتشجيع النُّقاد والمجدّدين على قواعد الأصالة، لإغناء المكتبة الفلسطينية والعربية، وإيصال الجهود إلى كل المتلقّين والمعنيّين، بوسائلَ وآلياتٍ قادرةٍ على التأثير والحضور. وهذه دعوةٌ من الجمعية إلى كلّ المهتمّين للانضمام إليها، لترى النور وتتواصل، بأناقةٍ ومهنيةٍ وانتماءٍ ومعرفةٍ، تليق بالعربية أُمّ اللغات وأجملها.
وستحرص الجمعيّة على التميُّز بطرقٍ غير تقليدية، كما أنه لا بدّ من التواصل مع الجمعيات والمؤسسات المُماثلة والفاعلة لجَمْعِ الجهود وتوحيدِها وتوجيهِها.
والقدس، عاصمتنا الأبديّة، هي مقرّ الجمعية الرئيسيّ وعنوانها. ويحقُّ للجمعية فتْحَ فروعٍ لها أو مقرّات في جميع المحافظات والمدن الفلسطينية.