- المحامي علي ابوحبله
منذ بزوغ فجر الإنسانية جاهد الحكماء والعقلاء من الحكام والمسئولين والمحكومين في إنشاء قضاء عادل بعيد عن التحيز والمحاباة. تم تطوير الدساتير وقوانين العقوبات والأحكام الصادرة لكي يصبح المنتهكون للحقوق عبرة للناس ورادعاً لهم من التمادي في إلحاق الضرر والأذى بغيرهم ووضع حد للفساد والإفساد في التاريخ القديم وصلت جهود الإنسان في تشريع القوانين إلى مستوى لا يزال موضع إعجاب المؤرخين، ويمكن أن نذكر في ذلك شريعة الملك البابلي حمو رابي قبل أكثر من أربعة آلاف سنة. من قانون حمو رابي ذلك البند الشهير الذي ينص على قصاص العين المقلوعة بقلع عين الجاني والسن المكسورة بكسر سن المعتدي المتسبب بذلك!. ومعاقبة السارق وناهبي مكتسبات الشعب أتت الأديان والشرائع السماوية الناتجة عنها لتضيف بعداً روحياً سامياً على تطبيق قوانين العدالة.
في الديانات السماوية والقوانين الوضعية المستندة عليها عبر العالم كلها تجمع ولو نظرياً على ضرورة توخي تطبيق العدالة عند الحكم بين الناس. نذكر من الديانات السماوية بعض النصوص القرآنية مثل «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» و الحديث النبوي«لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» ومن الإنجيل«من كان منكم بلا خطيئة فليرجم الحجر الأول».
ساهمت الثورات السياسية والاجتماعية والإنسانية والفكرية والعلمية المتلاحقة في تطوير وتهذيب معايير العدالة الإنسانية. الثورة الفرنسية مثلاً أسست لجمهورية يسود فيها تطبيق حكم القانون بالتساوي على الجميع بعد أن كان يُعفى الأباطرة والنبلاء ومرافقوهم وأعوانهم من الملاحقات القانونية على الخروق التي كانوا يرتكبونها.
وعند التطرق إلى هزلية التواني في تطبيق العدالة وانحياز القانون لسلطه القهر والقوه لا يغيب عنا الظلم والجور والحيف الذي تمارسه محاكم الاحتلال اللا-شرعية وقضاتها. على سبيل المثال لا الحصر فإن ميزان عدل محاكم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين له كفة واحدة!. يكفي القول إن عشرات الآلاف من الفلسطينيين حُرموا ويُحرمون أمام قضاة المحاكم الإسرائيلية وبشكل تلقائي من الاعتراف بحقهم في مقاومة الاحتلال واغتصاب الأراضي ومصادرة الممتلكات والاعتداء على المقدسات. المحاكم البريطانية وبالرغم من استقرار الوضع السياسي والاجتماعي في تلك الدولة نسبياً إلا أن قرارات المحاكم لا تخلو من التحيز القائم على اختلاف الأديان والمذاهب والأعراق والانتماء السياسي.
والمحاكم الفرنسية ترفض البحث في قضية حوالي مليون ونصف المليون من ضحايا الاحتلال الفرنسي للجزائر، معظمهم من المدنيين. هنالك فاتورة حساب ضخمة تترتب على نجاح القضية في المحكمة الفرنسية العليا أو محكمة الجزاء الدولية؛ في ذلك يتساوى السياسيون ورجال القانون الفرنسيون في محاولة طمس هذه القضية إلى الأبد.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة انزلقت أوضاع عدالة المحاكم في الدول الغربية إلى مستويات غير مسبوقة. بالذات فإن المحاكم في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية باتت منحازة في قراراتها ضد الأقليات المسلمة التي تعيش في تلك الدول والتي إعلامياً رُبطت سمعتها عنوة بما بات يُعرف دولياً بظاهرة «الإرهاب». تطبيق قرارات محكمة الجزاء والعدل الدولية في لاهاي دليل آخر ساطع على تردّي وضع العدالة الدولية.
تتراوح حال القرارات الدولية الصادرة عن محكمة العدل الدولية من ملزِمة إلى غير مُلزمة على الإطلاق بناء على توافقها أو تعارضها مع مصالح الدول الكبرى. من بين 15 قاضيا دوليا عارض أحدهم، الأميركي، قراراً يختص بإدانة بناء الجدار الأمني الإسرائيلي في فلسطين؛ لم يكن ذلك القرار مُلزماً لإسرائيل ، خلاصة القول لا يزال الطريق طويلاً أمام تحقيق عدالة إنسانية خالية من أنواع التحيز الأعمى والتأثيرات السياسية والضغوط الخارجية المؤثرة.
ذلك مرتبط بمستوى الوعي الإنساني العام الذي لا يزال يعاني بسبب تشابك المصالح السياسية وغطرسة القوى الفاعلة.
كما بدأت في الماضي تقف عدالة المحاكم عبر العالم في حالة تدن واضح مزمن في معايير إحقاق العدل وتطبيق المساواة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت