- د. فايز أبو شمالة
كان الإسرائيليون يلهثون خلف أي لقاء مع العرب الفلسطينيين، يطمئن الشارع الإسرائيلي على أمنه، وتهدئ غضب الشارع الفلسطيني، وكانت القيادة الفلسطينية تتأفف من اللقاء مع الإسرائيليين في زمن انتفاضة الحجارة 87، وكانت القيادة الفلسطينية تتدلل على الإسرائيليين في زمن انتفاضة الأقصى 2000، حتى وصل الأمر بوزير الخارجية الإسرائيلية شمعون بيرس أن يتسول لقاءً مع ياسر عرفات، وأن يطلب يوماً واحداً دون مواجهات، ودون شهداء، كي يبني عليه مشوار التهدئة.
كان فعل ماضي ناقص، لا يرفع إلا المبتدأ من قرارات المواجهة، ولا يكسر إلا من فقد المبادرة، ومن فقد الذاكرة الشعبية التي أثبتت قدرتها على الفعل في كل زمان ومكان، وأثبتت قدرتها على فرض منطقها على العدو قبل الصديق.
في الماضي، كان العرب يشترطون على الإسرائيليين الانسحاب من الأراضي المحتلة مقابل السلام، في الحاضر، صار العرب الفلسطينيون ـ لقلة فعلهم ـ يقبلون بالسلام مع الإسرائيليين مقابل السلام، ولكن عدوهم الإسرائيلي لم يعد يرضيه ذلك، وصار يرفض مجرد اللقاء مع القيادة الفلسطينية، ولم يعد يقبل مناقشة فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة، ولم يعد يقبل أن يناقش أي قضية سياسية مع القيادة الفلسطينية، التي حشر دورها في القيام بالمهمات الأمنية مقابل المكافأة الاقتصادية.
إنه لقاء الحائرين العاجزين، هذا هو مضمون اللقاء الذي عقد في القاهرة، وحضرة وزراء خارجية مصر والأردن، وحضرة حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية بديلاً عن وزير الخارجية الفلسطيني، وحضرة رؤساء الأجهزة الأمنية لكل من مصر والأردن وفلسطين، لقاء الحائرين العاجزين ناقش مقترحات لكسر جمود عملية السلام، ومن المؤكد أن هذه المقترحات قد جاءت بمبادرة فلسطينية، تعكس التخوف على مستقبل القيادة الفلسطينية، ولاسيما بعد ان أجل وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس زيارته لرام الله، وألغى لقاءه مع محمود عباس، من هنا جاءت مقترحات حسين الشيخ وماجد فرج لكسر الجمود السياسي من خلال إغراء الإسرائيليين من جهة، وتحذيرهم من جهة أخرى، ولهذه المقترحات ثلاثة أبعاد تتعلق بحياة الشعب الفلسطيني:
البعد الأول: مرتبط بالأمن، وفيه دعوة لتحرك فلسطيني إسرائيلي مشترك لوقف موجة التصعيد الميداني على أرض الضفة الغربية، والتي باتت تقلق الطرفين، وأضحت تشكل ظاهرة من التحدي والتصدي، قد تتطور إلى ما هو أبعد من عمليات مقاومة فردية، ومن مواجهات جماهيرية في قرية برقة وبيتا وجنين وقلقيلية والجلزون والدهيشة، والطريق إلى ذلك مقرونة بزيادة أفراد الأجهزة الأمنية، وتقويتها بأسلحة ومعدات جديدة.
البعد الثاني: مرتبط بالضائقة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، وسبل تقديم المساعدات لها، وإنعاش الحالة الاقتصادية لسكان الضفة الغربية، على طريق توسيع الرزق، وإشغال الناس بشؤونهم الحياتية بعيداً عن القضايا السياسة.
البعد الثالث: قطع الطريق على فكرة رفع الحصار عن غزة، والبدء بالإعمار دون تواجد السلطة وإشرافها، فأي نصر لغزة في هذا المجال سينعكس ثورة وانتفاضة في الضفة الغربية، التي اشتد بأسها، وأضحت تحاكي غزة على طريق المقاومة ومواجهة الغزاة.
مقابل ما سبق، تطالب مقترحات كسر الجمود أن تتوقف الحكومة الإسرائيلية عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية، وان يلجم الجيش الإسرائيلي اقتحامات المستوطنين للقرى العربية، وأن يواجه الطرفان حالة الإحباط السياسي لدى الشعب الفلسطيني بمواصلة اللقاءات مع الإسرائيليين في القاهرة وعمان، لقاءات تحت مسمى مفوضات تحول دون الانفجار.
لقد تدارس المجتمعون في القاهرة ما سبق من مقترحات فلسطينية، والتي تهدف إلى كسر الجمود الشكلي فيما يتعلق بعملية السلام، مقترحات تستجدي عقد أي لقاءات فلسطينية إسرائيلية، وبأي مستوى كان، لقاءات توحي بتواصل عملية السلام، وتؤكد على عدم انتهاء صلاحية القيادة الفلسطينية الراهنة، وأهميتها للمرحة القادمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت