- علي ابوحبله
إن الدور المهم والحيوي الذي يلعبه القطاع الخاص في أي بلد بوجه عام وفلسطين بوجه خاص في النشاط الاقتصادي يعتبر أساساً لاستمرار الدولة في قدرتها على تحقيق أهدافها بتوفير الخدمات الأساسية لأفراد مجتمعها وتحقق معدلات ملائمة من النمو الاقتصادي. وتنبع أهمية دور القطاع الخاص من المهمة الملقاة على عاتقه في إحداث النمو الاقتصادي الذي يخلق فرص العمل. إلا أن القطاع الخاص الفلسطيني، وهو جزء من الوضع الفلسطيني الراهن، يعمل تحت ظروف قاسية بفعل الاحتلال ، أعاقت قدرته على التطور والتقدم ومنعته من القيام بالدور المرجو منه كما هو الحال في الدول الأخرى. حيث عمدت السلطات الإسرائيلية ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في عام 1967 إلى إحباط محاولة الانطلاق والنهوض بالواقع الاقتصادي. ولم تتغير السياسات التعسفية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994.
ومع استمرار تصعيد الإجراءات والسياسات الإحتلالية من إغلاق للمعابر وفرض قيود على حركة التجارة والبضائع، وفرض قيود على حركة الأموال والأفراد بين الضفة وغزة من جهة ومع العالم الخارجي من جهة أخرى ما هي إلا محاولة لجعل القطاع الخاص يتكبد مزيداً من الخسائر وتتشتت قدراته المالية والإنتاجية ويضعفه تجارياً للإبقاء على حالة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وذلك لسببين رئيسيين أولهما أن إسرائيل تستطيع الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية والحصول على تنازلات من خلال ضعف الاقتصاد وتجويع المواطنين، والسبب الثاني هو أن أي قوة للاقتصاد الفلسطيني سوف تكون على حساب الاقتصاد الإسرائيلي. ومنذ قيام السلطة الوطنية وحتى الآن لا توجد سياسات اقتصادية تتعلق بالتنمية الزراعية أو الصناعية أو السياحية والتي هي مصادر الدخل الرئيسية، وان اتفاق باريس الاقتصادي حال ولغاية الآن دون إحداث تنميه اقتصاديه مستدامة ومع استمرار تراجع الاهتمام العربي والعالمي بالقضية الفلسطينية، وعدم قدرة السلطة الفلسطينية عن ابتكار الحلول والمبادرات للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة والانفكاك عن الاحتلال واستمرار الحصار والانقسام، تفاقمت معدلات البطالة والفقر في المجتمع الفلسطيني، وازداد الوضع الاقتصادي ترديا بشكل كإرثي. وعن واقع الاقتصاد الفلسطيني في 2021، فان "هناك أزمة اقتصادية-مالية كبيرة، تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية، من أسبابها ومسبباتها؛ الانقسام ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا أمر مكلف جدا على الاقتصاد الفلسطيني، من حيث الواردات، والسوق الواحد والمتاجرة بين غزة والضفة والعكس، كما أنه لا يوجد صندوق واحد ولا خزينة واحدة ولا حتى موازنة ولا مصدر إيراد واحد ولا حتى نفقات واضحة".
"هذا الواقع انعكس على واقع الاقتصاد الفلسطيني ، وأدى الانقسام الجغرافي والديمغرافي والسياسي الذي سببه الاحتلال ومن ثم الانقسام، مما فاقم من الأزمات ألاقتصاديه وأضعف بنية الاقتصاد الفلسطيني ". أضف الى ذلك حالة الفساد التي تعاني منها العديد من المؤسسات الفلسطينية؛ التي "تسببت في هدر الأموال ، إن "التضخم في الجهاز الحكومي والبطالة المقنعة من خلال التوظيف العشوائي ، من حيث الرواتب والبدلات والنفقات والمصروفات المختلفة، مما فاقم في ألازمه المالية وزيادة فاتورة الرواتب ، فهناك ما يقارب نحو 361 ألف موظف في القطاع العام يتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية لا تملك خلاله اقتصاد مستقل وهش". إن "حجم الإيرادات الواردة من قبل الاحتلال الخاصة بفاتورة المقاصة إضافة للإيرادات الداخلية وغيرها، كلها مجتمعة تصل فقط إلى 900 مليون شيكل، بينما تبلغ فاتورة الرواتب 920 مليون شيكل شهريا، وهذا يثبت ان اقتصاد فلسطين لا يعدوا كونه اقتصاد خدمات منذ أكثر من 27 عاما مضت على اتفاقية (أوسلو)، فإن الاقتصاد الفلسطيني ما زال هشا وضعيفا ومحدودا، والاحتلال الإسرائيلي ما زال المتحكم في مفاصل الاقتصاد الفلسطيني ، وبحقيقة الواقع أن " الاقتصاد الفلسطيني في وضع كإرثي ومرير، وأن "على رأس تلك الأزمات؛ انخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية، وقد أدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة وأن "نسبة البطالة بين الخريجين تصل إلى 78 في المئة، ونسبة الفقر إلى 64 في المائة" قياسا بمستوى المعيشة والتي هي بنفس معيشة الإسرائيلي ، إحصائية دولية صادرة عن منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (أونكتاد) في الربع الأول من 2021، أكدت أن خسائر قطاع غزة جراء الحصار وإغلاق المعابر والحروب الإسرائيلية ضد غزة، وصلت إلى 17 مليار دولار تقريبا، علما بأن العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع بتاريخ 10 أيار/ مايو 2021 -واستمر 11 يوما- تسبب في خسائر فادحة قدرت بنصف مليار دولار".
ان "كل القطاعات الاقتصادية والتجارية تعاني من قيود إسرائيلية مفروضة على حركة الواردات والصادرات، إضافة إلى منع دخول العديد من السلع الأساسية الهامة، التي يطلقون عليها ذات الاستخدام المزدوج، والكثير منها مواد خام أولية تلزم قطاع الصناعة، وبالتالي فإن هذه القطاعات متوقفة". وخطورة استمرار الوضع الحالي، "يؤدي إلى المزيد من الأزمات وسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهورها، خاصة مع غياب أي أفق لبناء اقتصاد فلسطيني مستقل ان الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، يتطلب رؤيا وطنيه واستراتجيه تقود للتحلل والانفكاك عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي تقود إلى تحقيق المصلحة الوطنية وبناء الاقتصاد الوطني " ولا يعقل استمرار الربط الاقتصادي مع إسرائيل الذي موازنته المقدرة 2022 بـ 180 مليار دولار ، بينما موازنة فلسطين أقل من 5 مليارات دولار، وبلغة الأرقام أقل من 2.5 في المائة من الاقتصاد الإسرائيلي، بالتالي يجب أن لا نترك فريسة للاقتصاد الإسرائيلي وسوق استهلاكي للمنتج الإسرائيلي وهذا يتطلب من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تحمل مسؤوليتها تجاه تحرير الاقتصاد الفلسطيني من الهيمنة الاسرائيليه وضرورة التكامل الاقتصادي مع دول الجوار العربي وبات مطلوب من الحكومة الفلسطينية رؤية وإستراتيجية واضحة ذات أهداف واقعية، إضافة إلى برامج قابلة للتنفيذ مبنية على الإصلاح الفعلي والحقيقي، ومحاربة الفساد بشكل فعلي ضمن خطه تقود قولا وفعلا للنفكاك عن الاقتصاد الاسرائيلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت