- بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
لقد كان الوطن العربي الذي شهدت أرضه ومروجه أولى الحضارات البشرية مسرحاً للمؤامرات الدولية والأممية قديمها وحديثها .. تلك الحضارات التي علمت الإنسانية كل شيء في علوم الطب والفلك والرياضيات وحروف الكتابة وسن القوانين والمسلة والحراثة وفنون العمارة والبناء, وكان أيضاً مهد الديانات السماوية كافة واّخرها الإسلام الحنيف الذي إرتقى بالعرب الى أسمى اّيات التوحيد والإيمان, والى العلياء بين الأمم لما حمله من بذور الخير والعطاء.. رسالة أمتنا العربية الخالدة لشعوب المعمورة والعالم أجمع.
ولأن الوطن العربي صقلت هويته بالإسلام حتى صار بمثابة الروح للجسد لا إنفصام بينهما, وتوفرت فيه أيضاً وحدة التاريخ واللسان والجغرافيا والمشاعر والأحاسيس الى جانب الدين الذي وحد صفوفهم.. فقد ظل عرضة لأطماع الأمم المعادية والقوى الإستعمارية التي حملت راية الصليب تارةً والمجوسية والتترية تارة أخرى, بهدف النيل منه وإجهاض نهوضه وتقدمه بين الأمم .. وما يعنينا هنا هو تسليط الضوء على الأحداث الأخيرة التي عصفت بواقع امتنا العربية وما زالت تعاني من اّثاره المدمرة حتى يومنا هذا الذي نعيش, لعل وعسى في هذا الإطار نستطيع أن نسترشد من خلال ما بدأه رئيس الوزراء البريطاني (هنري كامبل) عام 1905م عندما راح يفكر بأساليبه الخبيثة والجهنمية بكيفية الإنقضاض على الوطن العربي وتعطيل نهوضه وتقدمه . وقد أرشدته حيله الخبيثة الى الدعوة لمؤتمر أروبي ضم بالإضافة لبريطانيا كل من (فرنسا وايطاليا وهولندا وبلجيكا واسبانيا ) مستهلاً خطابه في المؤتمرين قائلاً : " لقد أصبحت أوروبا قارة قديمة إستنفدت كل مواردها وشاخت مصالحها بينما لا يزال العالم المجاور لنا ( يقصد الوطن العربي) فتياً في صرح شبابه يتطلع الى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية ... إذاً هذه هي مهمتكم في مؤتمركم هذا أيها السادة ؟؟ وعلى نجاح مهمتكم يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا " !! بهذه العبارات والكلمات خاطب ( كامبل) العقل الباطني للأوروبيين والمليء بالحقد التاريخي الدفين للأمة العربية ..وإستطاع بذلك دغدغة مشاعرهم وإسالت لعابهم تجاه خيرات الوطن العربي حتى ظلوا في إجتماع دائم تمخض عنه بعد عامين ..أي في العام 1907م..
ما عرف حينه بالوثيقة السرية أو تقرير كامبل الذي إستند الى جملة هذه الكلمات وإلى المحتوى الخطيرالذي توصل اليه المجتمعون وهذا نصه " إن البحر الأبيض المتوسط شريان حيوي لمصالحنا (الإستعمارية), وجسر الوصول بين الشرق والغرب , والممر الطبيعي الى القارتين الأسيوية والإفريقية , وملتقى طرق العالم , وهو أيضاً مهد الديانات والحضارات , والإشكالية الحقيقية هنا في هذا الشريان المهم أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد هو الشعب العربي الذي تتوفر فيه وله وحدة التاريخ والدين واللسان " إنتهى ..
وعلى ضوء هذا المحتوى الخطير الذي تفتق عن العقل الأوروبي فقد أوصى المؤتمرين بضرورة العمل الجاد على تفكيك الوطن العربي وإغراقه بالفتن والجهل والتناحر , والتصدي بكل قوة وعنفوان لأي توجه وحدوي هناك , ولضمان ذلك يجب إقامة حاجز بشري قوي وغريب ومتأصل في العداء للعرب , يفصل الجزء الأفريقي في هذه المنطقة عن القسم الأسيوي , ويكون هذا الجسم وهذا الشعب صديقاً لنا ويحقق أهدافنا ومصالحنا وفي نفس الوقت تتخلص منه أوروبا ويصبح عميلاً وحامياً لكل مصالحنا في الشرق العربي ( المقصود هنا يهود أوروبا) .
وترتب على هذا المحتوى تالياً سلسلة من المؤامرات والمؤتمرات ضد العرب وأهمها إتفاق سايكس بيكو ومعاهدة سان ريمو ووعد بلفور المشؤوم .. تلك المشاريع التي أمعنت في تمزيق الوطن العربي وعملت على تفتيته في سبيل تسهيل زراعة الكيان الغريب واللقيط المسمى ( (سرائيل) في قلب الوطن العربي تحقيقاً لأهدافهم المتوخاه والقاضية بضرورة إستمرار السيطرة على ثروات ومقدرات وطاقات الوطن العربي لأهداف وغايات إستعمارية بحتة تضمن تعطيل نهوض هذا الوطن وإبقائه ضعيفاً مفككاً وذليلاً وذيلياً لقوى الإستعمار الكبرى كافة , يساعدهم في ذلك ذوي المصالح البرجوازية والرأسمالية ممن إلتقت مصالحهم بالمصالح الصهيونية والإمبريالية وتم تنصيبهم حكاماً على الأقطار العربية وفق تقسيمات سايكس بيكو بهدف تكريس التجزئة العربية وحراسة المصالح الإستعمارية والصهيونية وقوى الرجعية العربية .
لقد مر على سلسلة المؤامرات الصهيونية الغربية ما يزيد على المائة وعشرون عاماً وتحديداً منذ مؤتمر بازل ومن ثم تقرير كامبل وحتى وعد ترامب الذي أراد تصفية القضية الفلسطينية والإجهاز عليها تماماً , إضافة لتقسيم المقسم في أقطارنا العربية من خلال ما سموه وفق منظومتهم الأمنية الجديدة ( الفوضى الخلاقة) الوصفة السحرية للقضاء على العرب بعوامل ذاتية من خلال نشر الفتن العرقية والطائفية والمذهبية , وراح ينهب جميع خيراتها بزعم حمايتها من الغول المصنع في الدوائر الغربية والمسمى إيران.. وتدفيعهم الأتوات والخاوات حفظاً لعروشهم وأنظمتهم الفاسدة والهشة , مرت أكثر من مائة عام والوطن العربي لا زال يراوح مكانه رغم نشوب الثورات الوطنية والقومية كثورة البعث العربي الإشتراكي ومجموع الأحزاب الوطنية والتقدمية واليسارية في البلاد العربية , بالإضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي شكلت طليعة النضال العربي في التصدي لكافة المؤامرات التصفوية والمشاريع الصهيونية والإستعمارية لما يزيد على السبعة عقود من الزمن المشار اليه أعلاه , وبقيت كذلك الى أن حشدت أمريكا والصهيونية العالمية ومعهم كافة القوى الإستعمارية الكبرى كل طاقاتها في سبيل القضاء على البعث والقوى القومية التقدمية وعلى الثورة الفلسطينية التي شكلت إنموذجا فريداً في العمليات الفدائية البطولية ..
تلك الحرب الكونية التي عملت على تحييد العراق الحاضن والساند الأساس للثورة الفلسطينية وكل القوى القومية , وأدت في نهاية المطاف الى إضعاف مسار القضية المركزية للعرب , وتالياً دخول منظمة التحرير الفلسطينية ما يسمى عربة التسوية السلمية التي إستثمرتها دولة الإحتلال الصهيوني أبشع إستغلال في تصفية وشطب القضية بكل تفاصيلها النازفة .
أخيراً وليس اّخراً نستطيع الجزم أنه عبر كل تلك المحطات الخطيرة تأكد لنا أننا أمة عربية كانت على الدوام تكافح لأجل الخلاص من الإستعمار ومشاريعه الخبيثة المكشوفة , وقد تأكد لنا أيضاً بنوع من الوعي الوجودي أننا أمةٌ مستهدفة بضربة قاتلة في صميم القلب , وأن معركتنا الوجودية ليست معقدة .. وكذلك فلسفة إحياء الأمة وإنبعاثها ليست عصية على الفهم والإدراك والحس العروبي الأصيل.. وكل ما نحتاجه هو همة الغيارى والأبطال في القفز على كل ما يعيق نضالنا القومي الوحدوي التحرري.
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك – فلسطين المحتلة – كانون الثاني - 2022 م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت