- بقلم : تأييد زهير الدبعي
أيها الآباء وأيتها الأمهات، أيها المعلمون، أيها المحاضرون الجامعيون، أيها الإعلاميون وقادة الرأي العام، ، حدثوا أطفالكم وطلبتكم ومشاهديكم عن المفكر الكوكبي جان ماري مولر، حدثوهم عن الفيلسوف الذي رحل عن عالمنا في الثامن عشر من كانون الأول الماضي تاركا وراءه إرثا من الكتب والمواقف والأفكار جعلته أبرز فيلسوف معاصر في اللاعنف بلا منازع. فمنذ انتصار الشعب الهندي على الاستعمار البريطاني بقيادة غاندي، تأثر مولر بمقاومة اللاعنف وأصر على دراستها في كل العالم حتى يبلورها إلى استراتيجيا. وبالرغم من أن مولر ينتمي لفرنسا التي يتمتع فيها معظم الناس بنسبة لا بأس بها من الرفاهية، وكان يمكنه أن يختار حياة الرفاهية والهدوء، لكنه اختار طريق اللاعنف أي النضال ضد أي ظلم يقع في العالم بغض النظر من هو الظالم ومن المظلوم، ليس من باب حبه لبلده فرنسا وحسب بل من باب الالتزام الإنساني والكوكبي باللاعنف. فبدأ نضالاته اللاعنفية مبكرا عندما رفض الخدمة العسكرية في جيش بلاده التي كانت تحتل الجزائر، وفضل التعرض لعقوبة السجن على أن يشارك في قمع وقتل شعب آخر، وسجن لمدة ستة أشهر.
ناضل من أجل تحريم السلاح النووي، وعمل كي تتخلص بلاده منه، عمل مولر مدرسا للفلسفة حتى العام 1970، ومنذ ذلك الحين حتى وفاته كرس وقته وجهده كليا للاعنف، فأسس معهد البحث عن حل لاعنفي، وشارك في عشرات الحركات والمؤسسات التي تدعم خيار اللاعنف. ألف أكثر من 44 كتابا وكتيبا ترجمت إلى لغات عدة منها العربية منها، إنجيل اللاعنف، اللاعنف في التربية، استراتيجة العمل اللاعنفي، غاندي المتمرد، نزع أسلحة الآلهة، قاموس اللاعنف.
يعتبر مولر صديقا للوطن العربي فمنذ العام 1990، زار لبنان والعراق وسوريا، محاضرا ومحاورا في عشرات المحاضرات والتدريبات، وهو محاضر في الأكاديمية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان (AUNOHR ( في لبنان وعضو مؤسس المجلس العالمي الاستشاري لذات الجامعة، وفي هذه الجامعة كان لي الشرف أن أكون أحد تلامذته. عندما تلقيت وعائلتي نبأ وفاته، كان تعليق أحد الأطفال على صورة مولر بلحيته البيضاء، أليس هذا هو بابا نويل الحقيقي؟ وهل بابا نويل يموت؟ّ! ربما أحسنت هذه الطفلة في تشبيه مولر بشخصية بابا نويل، فكما بابا نويل يجلب الهدايا والفرح للأطفال في العيد، جلب مولر الأفكار والفلسفة والاستراتيجيا وقدمها للعالم في عشرات الكتب سعيا منه لنشر ثقافة اللاعنف ومحاربة الظلم والاضطهاد والاحتلال أينما كان.
وحسب مقولة الرئيس الأمريكي بنجامين فرانكلين:" إذا أردت أن يستمر ذكرك بعد موتك، افعل شيئا يستحق الكتابة، أو اكتب شيئا يستحق القراءة". ومولر بنضالاته ومواقفه وكتاباته فعل الاثنين معا.
سلام على جان ماري مولر وعلى كل إنسان سعى ويسعى لجعل حياة البشرعلى هذا الكوكب أفضل وأجمل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت