- تحسين يقين
تلكما هما العقلانية والحكمة .
وتلك هي تحمل المسؤولية.
كيف عاشت شعوب وكيف اختفت أخرى؛ فإن لم نتأمل بما فعلوا، فلن نخلص، ولنا في شعبنا، أي في أنفسنا القدوة والمثال، فعلى مدار قرن عشنا وبقينا، أفردا وأسرا وشعبا يحق لنا فعلا أن نفخر به.
ولولا إيماني بضرورة التذكير بالطريق، ما عدت هنا للكتابة، فما أكتبه نثرته هنا وهناك، لربما جاعلا فكرة هنا مقالا هناك، لكن ما لنا ونحن هنا إلا تقوية مسارنا معا، وفق قناعات الجمهور والنخب، ولعل المسافة بينهما اقتربت، بما يملكه شعبنا اليوم من وعي وعقلانية.
أمران أظن المتحدثين في معهد فلسطين لدراسات الأمن القومي تم التأكيد عليهما، وهما مرتبطان ببعضهما: إعادة الاعتبار للعوامل الذاتية، وتجنب عوامل الضعف. وبالطبع ارتبط بهما حديث عن السلم الأهلي والإعداد للمستقبل، من خلال تطوير التعليم العالي والعام.
وثلاثة أمور لم يلاقيا شغفا في النقاش، ونالت اهتماما قليلا: الاعتراف والتنسيق الأمني والمصالحة. (وبالطبع فإن الأمرين الأول والثاني مرتبطان معا)، ومن السهل معرفة سبب زهد المتحدثين والمستمعين، لعل ذلك يعود إلى فهم عميق للواقع، والميل نحو السياق العملي المقوي للبقاء كأكبر مقاومة. وارتبط زهد المتحدثين أيضا بالفعل التقليدي للمقاومة الشعبية، حيث ذهب الشغف للمقاومة الذكية الأكثر إبداعا، في ظل تغير الواقع وتغير اتجاهات الجمهور وقناعاته المتمثلة في الربح لا الخسارة.
ألا يقود هذا النضج والعمق إلى شيء ما سياسي وفكري وثقافي!؟
ليس اليوم، لكن منذ سنوات دخلت القضية الفلسطينية مجالات رحبة، قابلة لفعل التحرر، حيث لم يعد بوسع الاحتلال إطالة فعله، التي صارت أصلا من عقدين ونصف تقصّر عمره، كاحتلال وكدولة قومية، بمعنى أن فلسطين اليوم أمر واقع، وقضية عادلة أكانت من مفهوم دولي سياسي ينظر للشعب الفلسطيني كدولة، أو مفهوم عادل ينظر للشعب الفلسطيني كجماعة قومية كبيرة تستحق نيل الكرامة والعيش الكريم في أية كيانية ممكنة: دولة واحدة.
ليس اليوم، بل أمس لم تهزم فلسطين، ولا شعبها، فإذا شعر الساسة هنا وهناك بالهزيمة، فلهم ذلك، لكن الشعب الباقي في مختلف جوانب الحياة، هو الأكثر حيوية، ولعل دولة فلسطين الغائبة مثلا، هي الأكثر حضورا.
لغة المستقبل هي ما نحتاج وخطابه وفعله الذكي، وها نحن نحقق إنجازات، لذلك نحن مدعوون دوما لمواصلة الانتصار، الذي نحققه بأبسط الأساليب على الأرض: زراعة ومدارس، بينما يعجز القوي النووي عن الفعل الواثق، ويعاني من الوجود، من خلال قادة مهزوزين.
والمهزوز مهزوم، إذ كيف ستتقبل الأجيال الجديدة في فلسطين والعالم، بما فيه (إسرائيل المهزوزة) استمرار انتهاكات الاحتلال على الأرض ومصادرة أحلام شعب بالحقوق العادية!
إذن يبقى لنا الكثير لنناضل فيه محققين المكاسب، عبر تجنيب الجيل الجديد أولا من فكرنا التقليدي وعيوبنا وسلوكنا الثأري، علما بأن هذا الجيل والذي حوله من عمر، بدأ فعليا التخلص مما لا فائدة منه، سواء بزهده في دروس مدرسية لا قيمة لها، أو بحديث عن النزاعات بيننا، أو مواعظ لا تلامس إلا السطح، عبر المنظومة السائدة هنا وفي عالمنا العربي بالطبع، نقول ذلك ونحن واعون للممكنات القومية كما يشير العنوان.
ولتقوية جيل التحرير الذكي النبيل، من المهم له أن نراه واقفا على أرض صلبة: من حيث فهم تاريخ فلسطين الاجتماعي والثقافي، خصوصا الحديث، لما كانته فلسطين من حاضرة للتنوير العربي، كذلك ما كانته فلسطين ضمن سوريا الكبرى والعراق، من حضارات عريقة كان اليوناني حينما يريد أن ينظر للحضارة يتجه لهما أي الى الشرق، كما نفعل نحن اليوم في نظرنا لحضارة الغرب.
وبالطبع، فإن تقوية الارتباط القومي بالحضارة العربية الإسلامية أمر يزيدنا قوة، لكن أن يتم ذلك بعيدا عن التعصب والعنصرية والإسلام السياسي المقتتل في حاله، والمسبب للاقتتال والتشظي فلسطينا وعربيا. ولتعد الأمور الدينية الى شكلها الروحي الفطري الجميل والحرّ.
هذا ما نحتاجه فعلا، لحرب ستطول من المفروض أن نقطع على الاحتلال مبرراته لجعلها حربا عسكرية، فهذا ما يتوق له، ويستطيعه، رغم أنه برغم كل شيء أثبت فشله سياسيا.
ولعلنا نغزوه في داخله، في بيوته، من خلال تطوير الفعل الفلسطيني الراقي والإنساني، حيث سيشاهد الإسرائيليون بعيونهم، لا بعيون ساستهم، شعب فلسطين، وسيشاهد العالم، بما نبدعه من أفعال في مجال حركتنا، فهناك ممكنات عظيمة، لعل تسويق المنتوجات الزراعية البلدية بأسعار مشجعة، في العالم العربي وغيره، بما فيه إسرائيل، سيجعل للزراعة قيمة كبرى لتتقدم للقتال الإستراتيجي. وهنا سنكون نحن العاملون والمشغلون في أرضنا لا عمالا في المستوطنات. ألسنا قادرين عليه؟ أليس بوسع مؤسسات السلطة عمل اتصالات يومية للتسويق الزراعي حتى لا يضطر شبابنا ترك مناطق ج والأغوار للعمل في الخدمات بأجور بسيطة في المدن أو حتى التفكير بالهجرة؟ ثم أليس ممكنا قوميا بأن تقبل الدول العربية المحتاجة لهذه المنتوجات على شراء حاجتها من فلسطين، وهذا سيكون دعما رائعا!
لن ننال المشروعية إن فكرنا بخلاصنا أفرادا وجماعات ونخبا وقيادات، فقط سننالها حين نفعل ذلك على الأرض: خلق الظروف للخلاص الجمعي الوطني.
البقاء الوطني الواعي مقاومة فريدة من نوعها، لذلك يصبح الفعل السياسي والدبلوماسي والقانوني والإعلامي والتربوي روافع عظيمة.
هذا سيكون أكثر أثرا من الانشغال بأمور لن يكون بوسعنا الآن تغييرها، فإذا كان الخصم يفكر أصلا بممارسات على الأرض، إذن سنقوي أنقسنا على هذه الأرض، وليكن أي لقاء معه لقاء محاسبة ومساءلة، ان الاهتمام ب "حاجات السكان"، هو اهتمام بشعبنا الواعي على طريق الخلاص الوطني والتحرر السياسي.
وربما، ما دمنا وطنيين مهتمين بالحال، وبمزيد من الموضوعية والاحترام نتذكر أنه بالرغم من سنوات الانقسام السيئ، كان يتم هنا إدارة وطنية اهتمت ببقاء شعبنا في مناطق جيم والأغوار، وقد كانت لتتعمق أكثر لو استمرت بالطريقة نفسها، ولعلنا الان نستأنفها.
مطلوب من المجلس المركزي ومن القيادة الوطنية، التوقف هنا والبناء على كل عوامل القوة، وتخفيف عوامل الضعف؛ فهذا طريق المستقبل وهو طريق الاستقلال والخلاص.
وقتها سنبحث جديا في الممكنات القومية بل والعالمية، والظن أن قيامنا بما هو ممكن هنا، سيستدعي الممكن قوميا. وأخير فإن مجموع الممكنات الفردية سيعني الكثير، فليتأمل كل منا مجال فعله، في أسرته وحقله وغرفة الصف، وغرف صنع القرار، ولنتجنب ما يضيع الوقت من مشاريع وهمية في مجالات عيشنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت