- جهاد سليمان\عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
عكس كافة التوقعات والتحليلات التي سبقتها، وروجت لها العديد من وسائل الإعلام العربية، الممولة خدمة لمسار التطبيع الإقليمي، بعنوان إتفاقية "أبراهام"، بمحاولة إظهار زيارة الرئيس الإسرائيلي، الأولى من نوعها، كحدث إستثنائي و"تاريخي" في سياق مسار التطبيع الآخذ بالتصاعد مع الدول الخليجية وعلى جميع المستويات، فقد أتت ردود الفعل والإهتمام العالمي، مخيبة لآمال أمراء التطبيع، على الرغم من كم التصريحات التي رافقت هذه الزيارة، لرفعها لمكانة الإنجازات التاريخية، وإظهارها كأحد أهم الأحداث التي وقعت في القرن الواحد والعشرين، والتي كان أبرزها تصريح الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوغ" نفسه، في صباح يوم الإنطلاق نحو العاصمة الإماراتية "أبو ظبي"، عبر تغريدة له على تويتر عبر من خلالها عن شعوره "بالغبطة لصناعة التاريخ" على حد تعبيره، فلم تكن الزيارة التي وصفت من حيث التأثير والنتائج بأقل من عادية، مفاجئة لأي متابع لمسار تطور العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الإحتلال الإسرائيلي، المتركزة بشكل أساسي على التعاون العسكري والأمني والإستخباراتي، كما ترجمتها الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الإسرائيلي "نيفتالي بينيت" في ديسبمر \2021، وتتماشى معها الزيارة الأولى لوزير الأمن الإسرائيلي "بني غانتس" لدولة البحرين، في ذات سياق تعزيز ما يسمى بالحلف الأمني، عبر توقيع إتفاقية تعاون أمني، لا تتعدى ذروة ما عمل به، منذ سنين من التنسيق الأمني السري والمكشوف على كافة المستويات، وهو ما قلل من أهمية ما كان مستترا تحت طاولة الشعارات الرنانة، وأضحى مفضوحا بضغط أمريكي إسرائيلي، كأحد جوهر ما يعرف بإستراتيجية تقديم المسار الإقليمي على المسار الفلسطيني، كما حددته البنود السياسية المعلن عنها أمريكيا، من خلال ما يعرف بـ"صفقة القرن ".
وبينما أخذت الأنوار تخفت تدريجيا عن عواصم التطبيع، ومحترفي أدوار المسارح، على خشبة العمليات الإسرائيلية، سلطت وسائل الإعلام العربية والدولية أضوائها وعدسات كاميراتها، على مدينة القدس المحتلة، حيث عقدت السيدة "أنياس كالامار" الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، مؤتمرا صحفيا، أعلنت خلاله على مسمع المجتمع الدولي والقيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، تقرير منظمة "أمنستي"، المكون من 211 صفحة، بعنوان "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية، إن إسرائيل تستخدم نظام الفصل العنصري بحق الفلسطينيين، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان"، داعية المجتمع الدولي للتحرك العاجل، ووقف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ووضع حد للممارسات الوحشية المتمثلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري، ومشددة على ضرورة ألا تقتصر الردود الدولية على الإدانات العقيمة، بل يجب أن تتعداها لخطوات تصب مباشرة في مسار تفكيك نظام الفصل العنصري، بإعتباره ليس مجرد بقايا من الماضي، بل أنه واقع يعيشه ملايين الفلسطينيين اليوم في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما جاء في مقدمة التقرير، مشيرة إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اعتبرت الفلسطينيين تهديدا ديمغرافيا، وتسعى لتهويد مناطق من ضمنها القدس، كما أكدت بأن الفصل العنصري هو السبب الجذري للإنتهاكات اليومية التي يواجهها الملايين من الفلسطينيين بشكل يومي، بما فيها الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، والذي أدى إلى زيادة الفقر والتهميش. وهذا ما قوبل بردة فعل إسرائيلية عنيفة، سارعت لإتهام "أمنستي" بمعاداة السامية، في محاولة لخلط الأوراق والهروب إلى الأمام، بتكرار ذات السمفونية المزعجة والبالية، بتظهير المظلومية التاريخية لليهود على حساب قتل الشعب الفلسطيني وإحتلال أرضه، ومحاولة إستعطاف الرأي العام العالمي، إلا أن حفاوة التصفيق الدولي، من الجمعيات والمؤسسات والجهات الرسمية والدبلوماسية والحكومية، وحركة التضامن والمقاطعة العالمية (BDS)، والمؤثرين والناشطين الحقوقيين والأكاديميين والإعلاميين والمثقفين والرياضيين والفنانين العالميين، جعلت من صراخ، قادة اليمين الصهيوني وأدواتهم، مجرد صدى خافت، سرعان ما تلاشت تردداته في جوف كيس الورق، المستخدم لعلاج المرضى النفسيين، فلم يكن تقرير منظمة "أمنستي" هو الصفعة الوحيدة، التي تلقاها قادة تل أبيب، والمراهنين على تحالفهم الأجوف معهم، بل سبقها تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في نيسان 2021، الذي أكد على ممارسة دولة الإحتلال الإسرائيلية جريمتي الإضطهاد والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، وتقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بعنوان "16 عامًا من المرارة: جيل ولد محاصرًا"، الذي تناول الحصار على قطاع غزة والقيود الإسرائيلية المفروضة عليه منذ عام 2006، إلى جانب الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري عام 2004، وإعلانها مؤخرا إختصاصها الإقليمي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها مدينة القدس، بالإضافة للإنتصار الذي حققته حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، بعد قرار المحكمة العليا الألمانية فيما يتعلق بالندوات والأنشطة التي تساند حركة الـ(BDS)، بإعتبارها تندرج ضمن حرية الرأي والتعبير، ويضمنها القانون الأساسي الألماني، كما قرار المحكمة الفيدرالية في تكساس الذي منع تجريم حركة المقاطعة "BDS".
إن صمود الشعب الفلسطيني، وتمسكه بأرضه وحقوقه الوطنية، ومنهجية نضاله المرتكزة على أرضية القانون الدولي الذي يكفل حقوقه الوطنية، مقابل تمدد المشروع الإحلالي الإستيطاني الصهيوني، وجوهر مشروع دولة التطهير العرقي ونظام "الأبارتهايد" الصهيونية، مكنت الشعب الفلسطيني، من أوراق قوة أضحت تشكل عامل أرق، تعدت تأثيراتها الفضاء المحلي والإقليمي، هذا التأثير الذي ظهرت نتائجه بشكل واضح، في أعقاب أحداث حي الشيخ جراح وهبة "باب العامود"، ومعركة "سيف القدس"، وذروته التثبيت الدولي من جرائم القمع والإضطهاد والجرائم ضد الإنسانية، التي يرتكبها نظام الفصل العنصري، ودولة "الأبارتهايد" الصهيونية الأخيرة على وجه الأرض، وهو ما يحاصر بالمنحى العملي، قيادة تل أبيب، ويحرج أمراء التطبيع، الذين سيجدوا أنفسهم في عزلة دولية إلى جانب، دولة التطهير العرقي، التي تضرب بعرض الحائط القانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان، مما يفرض على الجانب الفلسطيني وحركته الوطنية، مهمات إستثنائية على صعيد الإستخدام العملي، لجميع هذه الأوراق، وعلى وجه الخصوص من قبل الجاليات الفلسطينية وإتحاداتها ومؤسساتها، في ممارسة عملية لمفهوم "الديبلوماسية الشعبية"، وتشكيل رأي عام عالمي، يستند إلى هذه التقارير ومضامينها المهمة، لمحاصرة دولة "الأبارتهايد" الصهيونية وفرض عزلة دولية عليها، على طريق تفكيكها، كما أشار بشكل واضح تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي"
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت