- فاضل المناصفة
تضخ وسائل الاعلام يوميا وباستمرار الأخبار حول الأزمة الأوكرانية الروسية، وتركز في تقاريرها الإعلامية عن أثر العقوبات الأوروبية على موسكو وعواقب اجتياح بوتين لأوكرانيا، لتصور للرأي العام أن الناتو وأمريكا بإمكانهم لوي دراع بوتين حتى ولو هددهم بالغاز.
ركزت معظم التحليلات السياسية على الأثر الاقتصادي للحرب وعن احتمال تأثر امدادت النفط والغاز وارتفاع الأسعار ولكنها أهملت ما ترتب وما سيترتب عن الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا وهي أزمة اللاجئين والفارين من شبح الحرب، ففي الأسبوع المنصرم طالبت العديد من السفارات الأجنبية رعاياها بأخذ الحيطة والحذر وعدم السفر الى أوكرانيا، ومع حديث الاستخبارات الامريكية عن موعد الهجوم، أحدث هذا الخبر نوعا من الارتباك للعديد من المقيمين في أوكرانيا مما اضطرهم لحزم حقائبهم والمغادرة قبل أن تبدأ الحرب، وهكذا بدأت معاناة جديدة في فقدان الوظائف و حالة من الفوضى في حجوزات الطيران وارتباك وهلع في صفوف الأوكرانيين والأجانب على حد سواء .
إذا أقدم بوتين على فعلته وقرر فعليا غزو أوكرانيا، سينفجر الوضع في أوروبا لتتحول الدول المتاخمة لحدود أوكرانيا لمحتشدات ومخيمات للاجئين، وستتنصل الدول كالعادة من مسؤولياتها تاركة الانسان يدفع فاتورة الجشع والمصالح السياسية الضيقة التي تمليها التحالفات والمكاسب : سيصبح الاوكرانيون رهينة المفاوضات كما ستعطي روسيا الفرصة لعشرات الالاف من المهاحرين الغير شرعيين باجتياح النرويج والسويد من دون تشديد الرقابة وهكذا سيرد بوتين العقوبات الاقتصادية بوقف تصدير الغاز و استبداله بتصدير البشر الى أوروبا، هنا سيزداد الوضع تعقيدا في أوروبا التي تعاني أصلا ملف المهاجرين.
بدأت بولندا باستقبال العديد من اللاجئين الأوكرانيين، مع نقص واضح في الإمكانيات والأماكن المتاحة، واضطرت رومانيا التي تعاني من أزمة اقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والتضخم في التفكير بقبول طلب فتح مراكز لجوء مجبرة في ذلك وطامعة في قروض لعلها تخلص البلد من تبعات الأزمة الاقتصادية والغلاء، وأصبحت الأخبار المتداولة عن احتمال قرب الهجوم مدعاة قلق للعديد من الدول الجارة التي ستتحمل تبعات الحرب، كما زادت من خوف الأوكرانيين عن مصيرهم ووجهتهم إذا سقطت كييف في يد الروس.
يتشارك الأوكرانيون في أصولهم مع البولنديين، كما أنّ لدى الشعبين اللغة ذاتها والعادات والتقاليد نفسها، ولكن دخولهم الى بولندا في السنوات الأخيرة، بفعل الأزمة الاقتصادية جعل البولنديين منزعجين ولم يتقبلوا فكرة ان يقاسمهم أصحاب الأصول من الأوكرانيين في لقمة عيشهم، ويخشى أن يحدث تدفق الاوكرانيين على بولندا مجددا بفعل الغزو الروسي المحتمل، سيحد الأوكرانيون أنفسهم في موقف محرج اذ لا أحد من دول الناتو سيرحب بهم ولا احد من الحكومات ستسعى لتوفير لجوء كريم لهم، لطالما حدث هذا سابقا مع الكرواتيين والبوسنيين والأرمن حيث العديد من اللاجئين ثمن الحروب السياسية والاقتصادية واكتفت الحكومات بالتظاهر بأنها تقوم بدورها على اكمل وجه .
ان التصريحات التي تتناقلها الحكومات عن احتمال تدفق كبير للمهاجرين واللاجئين يؤكد ان أوروبا قد تكون على موعد مع ازمة إنسانية غير مسبوقة تؤثر فيها الازمة الاقتصادية العالمية، والجائحة بشكل كبير ويستعملها البعض كورقة ضغط سياسية قد تدفع للتهدئة وللتصعيد في نفس الوقت، لقد أصبحت البشرية تستعمل في الصراعات وتوظف لتحقيق مكاسب في المفاوضات والحملات الانتخابية من دون أي اعتبار.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت