- جهاد حرب
أشعل نشر القرار بقانون بشأن جواز السفر الدبلوماسي في الأسبوع الفارط وسائل التواصل الاجتماعي؛ كأنه يتم تنظم العمل بهذا الشأن للمرة الأولى، فقد سبق وأن أصدر مجلس الوزراء ثلاثة لوائح تنظيمية؛ الأولى في عام 2005، والثانية في العام 2006، والثالثة في العام 2008 لتنظيم هذه المَزِيَّة دون إثارة شعبية حولها. هذا النقاش المحتدم أحيانا والساخر في أحيان كثيرة ناجم عن تآكل الثقة بمؤسسات العمران الفلسطيني وانحصار قيمتها، وضعف الشعور بالشراكة في البناء العصبية ومحدودية الوصول إلى الطبقة السياسية الحاكمة.
في ظني لم تكن المشكلة في هذا القرار بقانون بتوسيع الفئات المستفيدة منه التي ستحصل بموجبه على هذه المَزِيَّة "الامتياز"، على الرغم من أنها "المَزِيَّة" ليست ذات طبيعة خارقة حيث أن الكثير من الدول لا تتعامل معه بشكل مختلف عن الجواز الأسود "العادي" الذي يحمله المواطنون الطيبون، وهي بكل تأكيد تحتاج إلى مراجعة وتدقيق خاصة بالنصوص المتعلقة باستمرار بعض الفئات بحمل هذا الجواز أبد الدهر؛ بعد انقضاء مهمتهم التي على اساسها حصلوا على هذه المَزِيَّة. بمعنى آخر هذه المَزِيَّة تمنح لشاغر المنصب وتنقضي بانتهاء الوظيفة ذاتها، وهي تتحول إلى حق مؤقت لمن نص عليه القرار بقانون وتزول المطالبة بها بزوال المدة القانونية المحددة، هذا من الناحية الشكلانية.
لكن يحمل هذا القرار بقانون من ناحية المضمون قضايا جوهرية جد خطيرة تتمثل؛ بفتح باب الاستثناء من خلال النص عليه في المادة 5 من القرار بقانون الذي يتيح للرئيس وحده حق منح جواز السفر الدبلوماسي سواء كان بتنسيب من مجلس الوزراء أو من طلقاء نفسه دون أن يضع القرار بقانون أي شروط أو محددات أو معايير لتنظيم هذا الاستثناء؛ هذا النص تراجع عما كان في اللائحة التنظيمية للعام 2008 التي لم تنص على الاستثناء مطلقاً والتي حصرت الفئات الحاصلة على مثل هذه المَزِيَّة، الأمر الذي يفتح الباب مشرعا أمام زيادة فئات أو اشخاص بشكل غير محدود وليسوا ممن لديهم وظيفة تستدعي حصولهم على هذه المَزِيَّة، وقد تصبح من باب العطايا والمنح والحظوة لمن يتمكنون من الوصول لمكتب الرئيس أو رئيس الوزراء.
فيما الأخطر في هذا القرار بقانون يظهر في بندين من المادة 6 يتعلقان باسترداد جواز السفر الدبلوماسي؛ البند الأول الخاص بفقدان الجنسية الفلسطينية في ظل عدم وجود قانون ينظم الجنسية الفلسطينية ذاتها وفقا لأحكام المادة 7 من القانون الأساسي الفلسطيني، وفي ظل الخوف من استخدام هذا النص لتجريد بعض الأشخاص؛ بخاصة المعارضين سياسيا ممن يحملون جواز السفر الدبلوماسي، من جنسيتهم بتطبيقات مختلفة بكونه غير موجود على الكمبيوتر "system" كما حصل مع العديد من الموظفين الذين تمت إحالتهم على التقاعد دون علمهم. الأمر الذي يتطلب تعديل هذا البند بإضافة عبارة (بناء على طلبهم) كما يفعل مجلس الوزراء الحالي في قراراته المتعلقة بالموافقة على طلبات التقاعد المبكر.
أما الأكثر خطورة فيتعلق بنص البند الثالث من ذات المادة "دعم أو مناصرة جهة خارجية أو داخلية، ضد دولة فلسطين ومؤسساتها الدستورية، أو تهديد مصالحها الوطنية واستقرارها الدستوري والنظام والسلم الأهلي فيها". هذا النص فيه العديد من المسائل المتعلقة بفتح الباب لاستخدام السلطة التقديرية والانتقام من بعض السياسيين لمواقفهم المعارضة لقرارات الطبقة السياسية الحاكمة، واستخدم هذه "المَزِيَّة" سيفا مسلطا على كبار الموظفين كي لا يعارضون، من جوانب فنية، السياسات والقرارات والإجراءات المتخذة من قبل بعض أعضاء الطبقة السياسية الحاكمة.
إن صناعة القوانين على ذات طريقة حياكة الصانع "الخياط" لثوب جميل على قَدّ أبعاد الكتف واليدين وأطوال الجسد وتموجات الكرش والارداف قد تصلح لفرد بعينه. لكنها لا تفي بالحاجة المؤسساتية ولا تنبؤ بتهيئة بيئة لحياة ديمقراطية، وهي لا تبني دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية بقدر ما تسهم في مأسسة نوايا الاستبداد والسلطة المتوحشة للبعض، وفي السقوط المتسارع؛ بحكم قوانين الفيزياء، نحو الظلم المؤذن بخراب العمران.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت