تصحيح مسار التاريخ مَهمة ومُهمة

بقلم: محمد علوش

محمـد علوش.jpg
  • محمـد علوش *

تتدعى تطورات الأزمة الروسية - الأوكرانية تباعاً في ظل استعار الحرب واستخدام القوة العسكرية المفرطة في سياق حرب مفتوحة ربما تقود نحو حرب عالمية ثالثة ، وسبقت الحرب الروسية -الأوكرانية العديد من الأحداث والتحركات التي حاولت فرض وقائع جديدة في تلك المنطقة من العالم ، فلقد دعم حلف الناتو ما سمي بالثورات الملونة ، ومنها الثورة البرتقالية ، والتي أطاحت بالحكومة الأوكرانية المنتخبة عام 2014، وتم على إثر ذلك استيلاء الحكومة الموالية لأمريكا على السلطة التي تشكلت من منظمات فاشية وعنصرية استهدفت الأقليات العرقية ، وبخاصة الأقلية الناطقة بالروسية ، وأخطر ما في الأمر بالنسبة للروس هو التلويح الأوكراني بالانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي ، ومحاولة أوكرانيا استعادة قدراتها النووية التي ورثتها عن "الحقبة السوفييتية" قبل أن تتنازل عنها بحسب بنود اتفاقية الاستقلال ، وهو ما جعل الرئيس بوتن والقيادة الروسية تعتبر ذلك كله نوعاً من التحدي العدواني والتهديد السافر لأمنها القومي.

التحالف الامبريالي الغربي وحده هو المسؤول عما يحصل من تدهور خطير في العلاقات الدولية ، بسبب حالة التمادي والاستعلاء والعقلية الاستعمارية الجديدة طيلة العقود الثلاثة الماضية لفرض أحاديته القطبية ، بشن حروب إجرامية ضد العديد من الدول والشعوب ، ومصادرة سيادتها ، وتغيير أنظمتها السياسية بالتدخلات العسكرية والضغوط الاقتصادية ، والسعي إلى فرض هيمنته والحيلولة دون إعادة التوازن الذي اختل لعقود.

تسعى القوى الغربية لتضييق الخناق على روسيا واستنزاف قدراتها العسكرية والاقتصادية منذ بداية القرن الحالي من خلال توسع نفوذ حلف الناتو واقامة القواعد العسكرية التابعة للأمريكان والتحالف الغربي ، تمهيداً لإخضاعها للهيمنة الغربية كباقي مناطق العالم في إطار تأبيد الأحادية القطبية التي تضررت منها شعوب كثيرة ، وخاصة الشعوب العربية وشعبنا الفلسطيني .

لقد استخدمت أمريكا "السلطة الأوكرانية" كطعم وحرضتها على المماطلة وعدم احترام "اتفاقية مينسك" وذلك لجر روسيا وتوريطها في الحرب بهدف استنزاف قواها ، وقد استجابت "القيادة الأوكرانية" للإغراءات الأمريكية الأوروبية بالدعم والمساندة ، دون أن تحسب العواقب التدميرية عسكرياً واقتصادياً وانسانياً للحرب على شعبها.

اننا ونحن نعبّر عن تضامننا مع شعوب روسيا وأوكرانيا وندعم نضالهم في تعزيز الجبهة المناهضة للتعصب القومي الذي ترعاه أي برجوازية كانت ، فإننا نرى بأن شعوب هذين البلدين الذين عاشوا سوياً بسلام وحققوا سوياً الازدهار الكبير في إطار الاتحاد السوفييتي ، كما هو حال جميع الشعوب الأخرى التي ليس لها مصلحة في الوقوف إلى جانب هذا أو ذاك من الإمبرياليين أو إلى جانب الأحلاف التي تخدم مصالح الإمبرياليين.

اننا ونحن نتابع بقلق كبير وباهتمام بالغ مجريات الأحداث وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، كونها تسبب مخاطر كبيرة على السلم العالمي نلاحظ تماماً أنها ستترك آثار مأساوية ، وتخلق أزمات اقتصادية لن تكون المنطقة العربية والبلدان النامية بمنأى عن تبعاتها ،  ونعتبر هذه الحرب نتيجة لمحاولات قوى الإمبريالية العالمية وحلف الناتو وقف التحولات الجارية على الساحة الدولية منذ سنوات وبقوة ، من هيمنة القطب الأمريكي الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب ، وفي هذا الإطار تسعى أمريكا وحلف الناتو والتحالف الغربي إلى تقزيم دور روسيا في الساحة الدولية وتهديد أمنها الاستراتيجي ، عن طريق تمدد حلف الناتو نحو بلدان الجوار الروسي ، بعد أن ضم دول العديد من بلدان المنطقة الأوروبية الشرقية والتلويح بضم أوكرانيا ، ونشر الدرع الصاروخي على حدود بعض البلدان المتاخمة للحدود الروسية .

كل الشعوب والبلدان المحبة للسلام مدعوة للتكاتف والضغط على التحالف الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإجهاض الحرب التدميرية التي قد تتوسع وتصل نيرانها لتحرق العديد من بلدان المنطقة وربما تتوسع اكثر وتصل الى مناطق أخرى حول العالم ، ووقف محاولات هذا الحلف الدائمة لإشعال التوترات في مناطق العالم وتفجير الحروب ودعم منظمات الإرهاب بهدف وقف حركة التاريخ ، واستعادة هيمنتها المنفردة على العالم.

من الأهمية الإسراع بالتوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية سلمية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية واحترام متطلبات الأمن القومي الروسي ، واحترام حق كل البلدان في حماية حريتها وسيادتها وأمنها ، ولكن ليس على حساب تهديد أمن دول الجوار أو أية دول أخرى ، ومن هنا يبدأ تصحيح مسار التاريخ .

 

  • عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت