- بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بالتزامن مع جملة الأحداث والتطورات التي أحاطت بالموضوع الأوكراني منذ تفكك الإتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو الأمني ..وصولاً الى مرحلة إتخاذ القرار الروسي الجريء والمفاجيء القاضي بإجتياح أوكرانيا وإسقاط نظامها السياسي والأمني الموالي لحلف الناتو الذي بات يهدد الأمن الروسي ويقض مضاجع روسيا الإتحادية في عقر دارها , وذلك بسبب قرب الأسلحة الثقيلة والمدمرة من موسكو, وما يمثله هذا التهديد أيضاً من إنعكاسات خطيرة على الإقتصاد الروسي المتنامي في الوقت الذي تشهد فيه إقتصادات أوروبا وأمريكا إنهياراً وتصدعاً باتت ملامحه أكثر وضوحاً مقارنة بالإقتصاد الصيني الذي يزاداد بإضطراد تألقاً وعملقه .
ومع أننا لسنا هنا في وارد الدفاع عن روسيا وتأييد غزوها لبلد اّخر رغم التبريرات الأمنية المنطقية التي ساقتها في إجتياحها الواسع لهذا البلد ومشاهد النزوح الكبيرة المرافقة هرباً من جحيم الحرب وحجم النيران الهائل, وما تلاه من ردود الأفعال الأوروبية والأمريكية على تلك المشاهد وحجم التباكي المبالغ فيه على الضحايا الأبرياء المهجرين من بلادهم والتي أماطت اللثام عن مدى عُهر المنظومة الدولية التي تكيل بمكاييل عدة وتميز على أساس من العرق واللون والدين والمستوى الطبقي , وهنا تعرت أوروبا ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وتجلت بشكل فاضح منظومة القيم والأخلاق وزيف شعاراتهم المنادية بالعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية من خلال تعاملهم المريب مع الأزمة الأوكرانية وعويلهم على ذوي البشرة البيضاء الفارين من جحيم الحرب طلباً للأمن والسلام.. وكأن الكرة الأرضية لم تشهد قبل ماّسي وحروب متناسين عن عمد مأساة الشعب العربي الفلسطيني منذ وعد بلفور مروراً بالنكبة العظمى والنكسة والإحتلال والإستيطان والتهويد الذي ما زلنا نعيش تفاصيله المميتة من حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الكبير والممنهج الى مختلف جرائم الحرب والقمع والسجن والتعذيب التي يسقطها الإحتلال كل يوم على شعبنا المثخن بالجراح والاّهات ونزيف الدم المستمر على مرأى ومسمع العالم الصامت الذي لا يحرك ساكناً إزاء أبشع إحتلال عرفته الإنسانية .
حقاً لقد كشفت الأزمة الأوكرانية بشكل جلي لا لبس فيه عورات المجتمع الدولي ومعاييره المزدوجة في التعامل مع الأزمات الدولية ومنها على سبيل المثال لا الحصر وليس بعيداً ما فعلته الجيوش الأمريكية والبريطانية الغازية في العراق الشقيق وحجم الدمار والتخريب الذي أطاح بحضارة هذا البلد العربي المسلم , إضافة لملايين الشهداء والقتلى والمعوقين ضحايا الجرائم الأمريكية والبريطانية وجوقة العملاء والجواسيس المرافقين لهم , وكذلك ملايين المهجرين بسبب الغزو الرهيب من العراق وسوريا وليبيا.. الذين سقط منهم العديد إما غرقاً أو جوعاً وبرداً وإما بفعل رصاص حرس الحدود وخفر السواحل على أطراف أوروبا الذين نراهم اليوم يتباكون على الأوكرانيين الفارين من الحرب؟.
إزاء ما تقدم من وضوح تام في عورات المجتمع الدولي فإننا اليوم مطالبين أكثر مما مضى بالكف عن الرهان حول صدقية المجتمع الدولي وأهليته في تنفيذ القرارات الدولية الخاصة تحديداً بالقضية الفلسطينية , والتوجه عوضاً عن ذلك في البحث عن اّليات وبرامج إستراتيجية نضالية تتفق والواقع الذي نعيش حيث المنظومة الدولية المنافقة والتي تحابي العنصرية الصهيونية وتدعمها بكل الإمكانات, ولا تعترف بالضعفاء وخاصة في ظل نظام القطب الواحد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية راعية الإرهاب العالمي والعدوان والسطو على شعوب العالم , والعمل أيضاً على توطيد العلاقات والشراكة النضالية بكل القوى القومية والوطنية والإسلامية العربية وتعزيز العلاقات الدولية مع الإحلاف المناهضة للحلف الصهيوني الإمبريالي الرجعي وخصوصاً في ظل المتغيرات الدولية الجديدة التي باتت تطفح على السطح مع التطورات الدرامية للأزمة الأوكرانية والتي وضعت العالم ودوله أمام واقع اّخر قد يشهد عودة الحرب الباردة ونظام القطبين في العالم والذي قد نستفيد منه في معركتنا المستمرة مع الإحتلال والإستيطان والتهويد .
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك - فلسطين المحتلة
اّذار - 2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت