- د. طلال الشريف
لو كان ياسر عرفات حياً لرأيناه يسابق الريح ليضع موطئ قدمه في المحاولة للوساطة ليس لحل النزاع بين روسيا وأوكراينا فقط ولكن لمحاولة مثلا تأمين مخارج للهارببن من الحرب في أوكراينا أو لتشكيل فريق أممي لحل قضايا دعم واغاثة المحاصرين لاتساع علاقاته وصداقاته بغالبية الزعماء والدول على امتداد العالم.
ياسر عرفات دبلوماسي تبويس الرؤوس الذي كان البعض يعيبون عليه ذلك، كان يضع فلسطين في كل ما هو مسموح ولو من باب "نحن هنا" والنتائج على الله ..
هذه الدبلوماسية العرفاتية التي نفتقدها اليوم كانت جزءا هاما ومنتجاً لكثير من احترام الدول والزعماء لأن عرفات كان يدرك أن الانجاز السياسي هو عملية تراكمية في كل المجالات وأهمها العلاقات الدولية والتواجد ولو بالصورة في كل حدث كبير أو صغير فما بالك وحرب كبيرة في تفاعلاتها العصرية أكبر وأهم وأوسع أثرا بكثير من استخدام السلاح ومعارك العسكر ويلعب فيها الاقتصاد الدور الأبرز.
ولأن فلسطين هي الدولة الوحيدة المستقلة تماما عن الصراع الروسي الأوكراني والمؤهلة للوساطة بين الطرفين لأن وضعها هذا يسهل لها الطريق للظهور في الصورة والحديث هنا عن "الرسمية الفلسطينية" وليس إلى حدما عن الفلسطينيين كأفراد أو أحزاب المؤيد أو المعارض لمواقف روسيا أو أوكرانيا طرفي النزاع .
كيف تغيب مواقف إمكانية الفعل عن الفلسطينيين جميعا خاصة في الوساطة بين المتحاربين ونحن أمام أكبر نزاع وأخطرها منذ الحرب العالمية الثانية، فالدول لا تقاس بحجمها في عصرنا، بل تقاس بذكاء قادتها وعلاقاتهم المنفتحة على الآخرين للعب دورا ملفتاً وفاعلاً وحتى لو لم يحقق نتائج ..
هكذا كان عرفات الذي غاب فغابت معه تلك الكاريزما التي نجح فيها نفتالي بينيت، فكانت اسرائيل في الصورة بقوة لأنهم يدركون أهمية الدبلوماسية المتحركة في كل حدث في العالم، فما بالك بحدث كبير في حرب روسيا وأوكراينا والتغيير الحادث على صعيد العلاقات الدولية وصعود قوى في رسم الخارطة الجديدة للعالم.
لماذا الإحساس بدونية العمل الدولي وحل النزاعات والوساطات وعدم القدرة بأننا ليست دولة كبرى، وكان على الفلسطينيين أن يكون لهم موطئ قدم في مثل هذه التحولات حتى لو لم يحرزوا نتائج فهم يكفيهم أنهم قد ظهروا في صورة فعل وكفى لو فعلوها ..
الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية لم تنتبه بذكاء لما أتحدث عنه فأين حراك دحلان بعلاقاته الدولية وأين حراك حماس المنافسة على الصورة الفلسطينية بقوة وأين الجبهة الشعبية وأين كل السياسيين الفلسطينيين؟ فهل مهمتهم كأي مواطن يتابعون نشرات الأخبار ويحللون المواقف ونسوا أنهم قادة عليهم واجب استغلال كل شيء لرفع وتثبيت وجود فلسطين في كل المجالات والأحداث؟ أم أن إمكانياتهم وحركتهم تقتصر على مناكفاتهم الداخلية الفاشلة؟ أم هي قاصرة عن فهم السياسة الدولية؟..
ألم تتعلموا من ياسر عرفات وعلاقاته وزياراته المستمرة للدول والشخصيات وتبويس الرؤوس الذي كنتم تعيبونه عليه ؟
بيننا وبين اسرائيل مسافة كبيرة في قراءة السياسة بذكاء فهل ننتبه لأهمية ذلك؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت