- محمد سيف الدولة
لأول مرة منذ عقود طويلة، يتفق كل العرب شعوب وانظمة على موقف واحد من احدى القضايا، فحالة الاجماع العربى فى الموقف من الحرب الروسية الاوكرانية ومن تفاعلاتها الدولية، هى حالة عزيزة ونادرة لم نرها منذ الغزو الامريكى للعراق 2003 وانتفاضتى الحجارة 1987 والأقصى 2000 وحرب ١٩٧٣ ومؤتمر اللاءات الثلاث بالخرطوم فى اعقاب هزيمة ١٩٦٧.
اما فيما عدا ذلك فالانقسام ينخر فى صفوفنا، سواء بين الشعوب والحكام، او بين الدول العربيةً بعضها البعض او بين العرب الاغنياء والعرب الفقراء، او بين الطوائف والمذاهب الدينية، او بين التيارات الفكرية والقوى السياسية .. الخ، وهو الانقسام الذى كان أحد أسباب تفجر الثورات العربية المشهورة باسم الربيع العربى.
***
وفى الحرب الدائرة الآن، لم يتوقف الرأى العام العربى كثيرا عند الذرائع المعلنة أو الأسباب الحقيقية للحرب ولا عند الروايتين الروسية والاوكرانية لما يجرى ولا عند يوميات وتفاصيل المعارك العسكرية، وانما كان الجامع المشترك بيننا جميعا يدور حول أربع نقاط أساسية:
1) أولها بدون منازع كان الغضب والاستفزاز العربى العام من الفرق بين التعاطف والدعم الغربى الهائل للضحية فى الحالة الاوكرانية، وبين التعاطف والدعم الهائل المماثل أيضا فى الحالة الفلسطينية ولكن للاحتلال والمعتدى (الاسرائيلى) وليس لأصحاب الأرض من الضحايا العرب والفلسطينيين.
2) وثاني المشتركات كان هو الانحياز العربى شبه العام لروسيا رغم انها المعتدية؛ انحياز شعبى معلن وآخر رسمى مبطن لا يجرؤون على الافصاح عنه، وكله كرها ونكاية فى الامريكان والاوروبيين، فها هم يتذوقون من ذات الكأس الذي يذيقوه لنا ولكل شعوب العالم منذ عقود طويلة؛ مذاق الهزيمة وانكسار الارادة والشعور بالذل والعجز امام جبروت القوة الغاشمة.
3) وثالث المشتركات العربية كانت هى حالة السخرية العامة من حالة الخوف والرفض الأمريكى والأوروبى لأى تورط فى الحرب ضد روسيا، رغم كل هذه الجعجعة الغربية فى دعم أوكرانيا وهيستريا الاجتماعات التى لا تنقطع عبر الأطلسي فى امريكا واوروبا، والزيارات المكوكية للمسئولين الامريكيين، وسيول تصريحات التهديد والوعيد من كل جهة وصوب، مما يطمئننا أن العرب ليسوا الظاهرة الصوتية الوحيدة فى العالم.
4) أما المشترك العربى الرابع تجاه الحرب الروسية والأجواء الدولية التى تحيط بها، فهو الشعور بالخزى والخجل العميق الذى تسببه مراقبة صراع (الكبار) من موقعنا فى أمة اصبحت صغيرة وضعيفة ولا حول لها ولا قوة بعد ان كانت من أعرق وأقوى الأمم؛ فليس لأى من دولنا العربية أى وزن أو تأثير فى هذا الصراع الدولى الخطير الذى بدأت آثاره تطالنا بالفعل، خاصة اذا عقدنا المقارنة مع (اسرائيل)؛ فرغم صغر حجم ومساحة دولة الاحتلال، الا ان وزنها الدولى فى الحرب الروسية يفوق الدول العربية مجتمعة، فأوكرانيا تطلب دعم عسكرى منها وبوتين يستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلى الذى زار روسيا بدون أن يخشى غضب الراعى والحامى الامريكى الذى يرتعب منه غالبية الحكام العرب.
***
والسؤال هنا هو كيف يمكننا الاستفادة من هذه الحالة التوافقية العربية النادرة؟
*****
القاهرة فى 17 مارس 2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت