- بقلم: د. نجلاء الخضراء
كل يوم في حياتنا هو عيد الأم لا يقتصر الأمر على يوم واحد في السنة فالأم في حياتنا هي البهاء والصفاء والنقاء وجمال الحياة وروعة الدنيا فكل أعياد الدنيا لا تضاهي ضحكة من ثغرها وابتسامة من وجهها أو همسة من همساتها ولكن عيد الأم فرصة للاعتراف بحجم التضحيات والمساهمات التي تقدمها الأم للأسرة والمجتمع، فقد جعلت في الكتاب المقدس من عظم ولحم الرب، وحث الله في محكم تنزيله على بر الوالدين والإحسان لهما ودعى النبي علية الصلاة والسلام بصحبتها
دأب السوريون منذ القدم على الاحتفال بعيد الأم الكبرى وهي عشتار وكان في 21 آذار وهو عيد الأم عند السوريين إلى اليوم.
رمزت عشتار إلى الآلهة الأم منجبة الحياة أو آلهة الخصب وبالتأكيد ان اقتران هذا العيد ببداية الربيع له سبب إن كلمة ربيع في اللغة العربية تعني الخصيب حيث اقترن فصل الربيع بالخصوبة منذ البداية والخصوبة تعني الأمومة والتكاثر والانجاب والحياة الجديدة. وارتبط الاخصاب بالربيع عندما دفعت عشتار بحبيها الميت تموز إلى الحياة الدنيا وصار يمثل روح الاخصاب في موته وقيامته. وعند قيامه تتزين عشتار كما تزدان الأرض من أجل لقاء حبيبها وتتجدد الخصوبة في الطبيعة والحيوان مع بدء فصل الربيع وكان ثوب عشتار يزدان بكل أنواع الزهور والثمار وصدف البحر أي بكل رموز الخصوبة والوفرة والتكاثر.
سميت عشتار أيضا بأم الزلف والزلف كلمة عربية قديمة تعني بالسريانية القديمة الثوب الموشى بالزينة والجمال والصدف والغزال والبراءة وماتزال أغنية أم الزلف مستمرة في سوريا ولبنان إلى اليوم عالعين يام الزلف زلفا ياموليا وكلمة موليا تعني بالسريانية القديمة الخصب والوفرة.
وكانت تمثل دور عشتار الكاهنة المقدسة أو الملكة ثم صارت شجرة الصنوبر شجرة عشتار تمثيلا لها فيجري تزيين الشجرة كما كانت تزين عشتار من أجل لقاء حبيبها ومع بدء الربيع تبدأ السنة الجديدة وتبدأ معها الاحتفالات بعيد الخصب العربية السريانية السورية المرتبطة بقيامة تموز أو البعل أو أدونيس من الموت وتتصل بعيد رأس السنة السوري في الأول من نيسان من كل عام (الأكيتو) وهو الوقت الذي تكون به الطبيعة في ذروة جمالها حيث تدب الحياة الجديدة في كل شيء لذلك فاشتقاق عيد الأم يأتي من الطبيعة.
في العصور الحديثة ترجع بداية فكرة عيد الأم للكاتب الصحفي علي أمين مؤسس جريدة أخبار اليوم عندما طرح في مقاله فكرة الاحتفال بعيد الأم لينتشر في العالم العربي كله خلال خمسينات القرن الماضي. قال علي أمين في مقاله: (لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه عيد الأم ونجعله عيدا قوميا في بلادنا وبلاد الشرق ، وفي مثل هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكرا أو ربنا يخليك لما لا نشجع الأطفال في هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل ويتولوا هم في هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها ولكن أي يوم في السنة نجعله عيدا للأم؟ ) لاقي المقال اعجاب الكثيرين واستجاب الكثير من القراء لهذه الدعوة وتم اختيار 21 مارس أول أيام الربيع ليصبح رمزا للجمال وتفتح الزهور وللعطاء والحياة وكان أول احتفال في سوريا عام 1957م وكان أول طابع بريدي عن عيد الأسرة عام 1956.
أصدر القائد الخالد حافظ الأسد مرسوم رقم 104 لعام 1988باعتبار عيد الأم عطلة رسمية بالجمهورية العربية السورية، وأصدرت المؤسسة العامة للبريد طابعا لعيد الأم عام 2009.
تتمثل أبرز مراسم الاحتفال بعيد الأم في جلب الورود والهدايا واعداد الحلوى والكعك ووجبات الغداء الدسمة في بيت الأم وللتسجيلات الصوتية قديما عبر المسجل واهداءات الراديو والتلفزيون قديما واليوم أضيف لها مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي الأثر الأكبر في نفوس الأمهات خاصة من تعيش بعيدا عن أبنائها.
الأم هي أساس الحياة وهي السبب الرئيسي في نجاح كل شخص في حياته هي من تستطيع إعادة تلوين الوطن مرة أخرى بألوان الربيع الجميلة الزاهية يكون ذلك من خلال تربية أبنائها تربية صحيحة لتكوين جيل جديد نافع لوطنه ومطور له.
يرتبط هذا اليوم أو العيد بمشاعر الحزن والأسى عند من فقدوا أحبتهم أو ابتعدوا عنهم إذ أنه لم يبقى لهم من هذا اليوم غير الذكريات لذلك نأمل أن يقتصر مراسم الاحتفال بهذا اليوم داخل البيوت والأسر وعدم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي حرصا على مشاعر المثكولين والمكلومين فبينما ينتظر الكثير هذا اليوم هناك من تنقبض قلوبهم عند اقترابه لما تحيه تلك المناسبة من ذكريات فقدت جمالها بفقدان أغلى الناس.
وأخيرا نرسل أجمل التحايا لأجمل النساء أمهات الشهداء لأنهم صنعوا أجيالا عظيمة ضحت بنفسها من أجل وطن ولكل أم ضحت بنفسها وحياتها في سبيل تربية أبنائها وهم كثيرات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت