- د. مهريناز العوضى
عندما تتعرض المرأة للعنف الزوجي، هي لا تتحمل فقط الآثار الجسيمة، الجسدية والنفسية والجنسية، لواقعة العنف، بل تقع عليها وأسرتها أعباء تكلفته الاقتصادية أيضاً، سواء كانت تكلفة مباشرة تنفقها على الخدمات الصحية والقانونية، أو تكلفة لاستبدال الممتلكات التي تم إتلافها خلال واقعة العنف، أو التكلفة غير المباشرة المتمثلة في خسارة الإنتاجية وخسارة في رعاية أفراد المنزل وغياب الأطفال عن مدارسهم.
فما حال المرأة الفلسطينية التي تتعرض للعنف الزوجي في ظل عنف شرس يقع عليها بسبب الاحتلال وما تفرضه ممارساته من طرد واعتقال وهدم منازل، وخاصة في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 16 عاماَ، والذى زاد العنف فيه لأسباب متشابكه من ضمنها الفقر المتزايد والبطش المتكرر من الاحتلال.
أدى التشابك في أنواع العنف في الحالة الفلسطينية إلى تعقيد موضوع العنف الزوجي، وأصبحت مكافحته تتطلب اعتماد سياسات متكاملة، تعالج الواقع المركب وتسهم بفعالية في التخفيف من معاناة الأفراد والأسر والمجتمع ككل.
ولعل الخطوة الأولى في إيجاد الحلول هي التحليل المعمق لانتشار العنف الزوجي ضد المرأة وأشكاله، وذلك لفهم حجم المشكلة. وقد رصد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ارتفاعاً في هذا الانتشار بين عامي 2011 و2019، من نسبة 37% الى 59%، وهذا ارتفاع كبير في غضون ثمانية أعوام فقط.
وقد استخدمت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) تلك البيانات الوطنية وعملت مع وزارة المرأة في دولة فلسطين على وضع أول دراسة حول التكلفة الاقتصادية للعنف الزوجى في البلد. ووجدت الدراسة أن 6 من كل 10 نساء متزوجات حالياً تعرضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف (النفسي، أو الجسدي، أو الجنسي أو الاقتصادي) من أزواجهن، وقد زاد عدد النساء إلى 7 من كل 10 نساء في قطاع غزة. وقد تكبدت واحدة تقريباً من كل أربع ناجيات من العنف الزوجي تكاليف من أموالهن الخاصة بلغت 184 دولاراً، وهذا مبلغ يعادل 12 في المائة من نفقاتهن السنوية غير الغذائية.
وطالت الآثار الاقتصادية للعنف، الأزواج أيضاً، أي المعنِّفين أنفسهم، وأولادهم، ، فأدى الى غياب الأطفال عن ايام الدراسة. ولأن تلك الآثار تنتقل إلى المجتمع بأكمله واقتصاده، فقد أثر على خسارة أيام العمل نتيجة التغيب عن العمل. وتقدر الدراسة الخسائر الاقتصادية لدولة فلسطين ما لا يقل عن 35 مليون دولار سنوياً بسبب العنف الزوجي. ومن هنا نرى أن الآثار الاقتصادية طالت الجميع: نساءً ورجالاً وأطفالاً، ولكن السيدة المعنفة كان لها النصيب الأكبر من الخسائر الاقتصادية بالإضافة الى الآثار النفسية التي يصعب تقديرها.
لوقف نزيف الخسائر، يجب إدراك أن ظاهرة العنف ضد المرأة ليست قضية نسائية وحقوقية فقط، بل أيضاً مشكلة اقتصادية من الدرجة الأولى، ولعل حجم الخسائر الاقتصادية يكون حافزاً للدول والمجتمعات للتصدى لهذه المشكلة. فمن الضروري الاستثمار في السياسات والبرامج الرامية إلى مكافحة العنف الزوجى والتعامل مع المشكلة كمصحلة عامة لا كشأن خاص يبقى ضمن إطار الأسرة تتحمل عواقبه المرأة فقط. فالاستثمار في برامج الوقاية من العنف سيجنب الحكومة الخسائر المادية التي تتكبدها ميزانية الدولة والمجتمع عند وقوع العنف وتقديم العلاج والرعاية للناجيات، والملاحقة القضائية للمرتكبين، وتقديم حزمة حدٍّ أدنى من الخدمات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت