إذا توفرت الإرادة السياسية فكل الطرق ستؤدي إلى التنمية

بقلم: إسلام خضر بدوان

م. إسلام خضر بدوان باحثة في التنمية المستدامة
  • (م. اسلام بدوان – باحثة في التنمية)

 من المعروف أن الهيكل السياسي وشكل مجموعات القوى وأصحاب النفوذ والمصالح والسياسيين المستفيدين، يشكل عامل مؤثر في تحقيق أهداف التنمية الى جانب الأبعاد الاقتصادية المتباينة في الدول.
فطبيعة الهيكل السياسي وجماعات المصالح تحدد استراتيجيات التنمية المناسبة وكيف تؤثر على الكفاءة الاقتصادية لإحداث التغيير الفعال والذي يتطلب دعم تلك المجموعات بهدف إصلاح مسار الاقتصاد نحو التنمية وليس استنزافه لحساب المصالح الشخصية.
والحقيقة وفي كثير من الأحيان فإن أكثر ما يعيقنا هو الافتقار الى القيادة والإرادة السياسية للعمل وتقديم الحلول الفعالة للتغلب على تهديدات التنمية. فنرى مشكلات الفقر والبطالة والصراعات الداخلية وسوء الإدارة وغيرها الكثير.
والتساؤل الذي لايزال قائم حول المسار الأنسب لتحقيق النهضة في البلاد؛ فهل تتحقق في ظل ديكتاتورية التنمية كما حدث في كوريا الجنوبية، أم في ظل بيروقراطية التنمية كما حدث في نهضة سنغافورة، أو قد تحقق في ظل ديكتاتورية الجغرافيا والحكم المركزي مع مستوى عالي من المشاركة كما في نهضة رواندا، ام أن ديمقراطية التنمية هي الطريق الأسلم كما في سويسرا وألمانيا، او في النظام الجمهوري او النظام العسكري والمدني وسياسات رأسمالية كما في البرازيل؟! وأيها يتلاءم مع الخصوصية الفلسطينية في ظل غياب دولة فلسطينيّة تُسيطر على حدودها ومواردها؟!

كل دولة لها خصوصية في التنمية، حيث ان نجاح عملية التنمية تختلف من بلد الى اخر، وان الاستراتيجية المتبعة في بلد ما خلال فترة معينة قد لا يصلح اتباعها نفسها لفترة لاحقة أخرى في نفس البلد، او اتباعها مثلا في بلد اخر. بما يضمن الوصول الى التغيرات المنشودة في هيكل الاقتصاد ومصلحة البلد في تحقيق أقصى قدر من تعبئة الموارد وتخصيصها بكفاءة لتعجيل عملية التنمية.
وعوامل النجاح في تحقيق أهداف التنمية لا تتوقف على الثروات والموارد والجغرافيا وعدد السكان، وإنما تعتمد بالأساس على سلامة الرؤية التنموية، وسلامة التخطيط وحسن التنفيذ، وصلاح الحكم وحسن الإدارة التنموية ونزاهتها.
وعند الحديث عن تنمية أي بلد يجب تحديد المعالم الإستراتيجية التي تتناسب مـع خـصائص الاقتصاد المراد تنميته، وعن العمليات المؤسسية والاجتماعية التي تتم عبر أصحاب النفوذ والتأثير والثقل السياسي لتخصيص الموارد الإنتاجية حاضرا ومستقبلا. وبالتالي هناك علاقات متشابكة بين الاقتصاد والتنمية وتوفر الإرادة السياسة مع إعطاء أهمية خاصة لدور القوة والسلطة في اتخاذ القرار اتجاه التنمية.
وحيث يجب أن تكون التنمية كفيلة بالتغلب على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتخلق بيئة جديدة صالحة للنمو الاقتصادي السليم وتؤدي إلى زيادة الإنتاج والتوظيف ورفع المستوي المعيشي لدى المواطنين مع التوزيع العادل للمـوارد قطاعيـا وجغرافيا بشكل يضمن التنمية بطريقة متوازنة، وعليه فان أهم أسباب نجاح عملية التنمية تكمن في توفر الإرادة السياسية اتجاه عملية التنمية بالدرجة الأولى والتحول المؤسساتي الفعال ودور المؤسسات في احداث التنمية في ظل نظام حوكمة، وأخيرا استثمار حقيقي وحسن استغلال للموارد المتاحة مع تحسين الإدارة والإنتاج.
مع مراعاة لكفاءة استخدام الموارد المتاحة وعدم اهدارها، وفق مبدأ الجدارة أي ان الانسان المناسب في المكان المناسب، وترتيب الأولويات وتحديد الاحتياجات. وذلك مرتبط في مدى قدرة النظام الحاكم على صياغة سياسات وأنظمة تسمح بالتنمية وتطبيقاتها ومدى ممارسة السلطة العامة لمكاسب غير شرعية، بما في ذلك الفساد، ومدى استيلاء النخب والمصالح الخاصة على الدولة.
حيث ان العوامل المؤثرة في طبيعة واتجاهات التنمية ليست عقبات اقتصادية فقط بل عقبات سياسية وثقافية واجتماعية مردها طبيعة النظم السياسية ومجموعات المصالح والقوى وطبيعة أنظمة الحكم ومدى المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار الى جانب العقبات الخارجية التي يفرضها الإطار الراهن للعلاقات الاقتصادية الدولية الاستغلالية وغير المتكافئة التي تربط دول العالم الثالث بالدول الرأسمالية المتقدمة.
والنهضة التنموية لا يتم في معزل عن دور المؤسسات التي تقوم بعملية التخطيط للتنمية وتنفيذها وحمايتها من خلال إعداد السياسات التي تضمن تنفيذ تلك الخطط على أكمل وجه وضمن نظام حوكمة فاعل مُؤسّس على مرجعية القانون، ومحاط بشبكة فاعلة من المُشاركة والشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة ويتبنى توزيع المهام والصلاحيات بينها حسب اختصاص كل مؤسسة وإمكانياتها؛ لضمان عدم التداخل في المهام.
وأرى أنه لا يمكن تحقيق تنمية ولا أمن اقتصادي دون انتقال ديمقراطي للسلطة وحرية الرأي، وفي غياب للديمقراطية وحقوق الانسان.
فجوهر التنمية يكمن في التغير المخطط  وانه عملية إرادية مقصودة، ورغم اننا قد نتفق في مرحلة ما الى تطبيق البيروقراطية الفعالة في عملية التنمية أي وضع القوانين التي تعزز التنمية مع التطبيق الصارم لتلك القوانين ومتابعة تنفيذها للوصول للأهداف العليا، او قد تتفق مع الاجراءات الديكتاتورية في مرحلة مبكرة من التنمية لإحداث التغيرات المنشودة في هيكلية الاقتصاد بحيث ان عملية التنمية في بدايتها يتطلب صنع القرار السريع وصنع القرار الاقتصادي الأول وهذا قد لا يأتي إلا من خلال نظام حكم صارم لفترة محددة ومؤقتة اذا ما أدى الى مصلحة البلد في تلك المرحلة، والى تحقيق أقصى قدر من تعبئة الموارد وتخصيصها بكفاءة، والى تعجيل عملية التنمية. ولكن لا بد من العودة للديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ووفق تحقيق خصائص التنمية الشاملة والمتكاملة.
وحتى ذلك الحين لتواجد القيادة الفاعلة والإرادة السياسية التنموية وتلمس أثرها على الصعيد الفلسطيني، فلا بد لنا من عدم التغافل عن ضرورة الإشتباك مع الاحتلال بكل النقاط الممكنة واستنزافه لإشعاره بالعبء وهز شرعيته العالمية وصورته وسمعته أمام العالم بإظهار حقيقته العنصرية والوحشية اللاأخلاقية للعالم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت