- عبد الرحمن القاسم
رائحة القرفة تختصر عليك طريق التنبؤات والتكهنات عن مصدرها وهل استخدمت حلويات او مشروبات ساخنة.فهى ممتزجة بأبخرة كاس من السحلب ممزوجا بالمكسرات. تلك الرائحة ممزوجة برائحة الهال معلنا انه متواجد بكل فناجين القهوة المنتشرة بين الحاضرين بالساحة. وتتسلل باستحياء رائحة الكمون والبقدونس المتناثر غلى أوجه حبات الفول والترمس على عربات الباعة. فهي ليست بالرائحة النفاثة كحب الهال والقرفة ولكن عزاءها الوحيد رائحة الدخان المتطاير بالهواء وتحديدا دخان نرجيلة هنا او هناك تجلس امام عاشقها الشاب معلنة أنها أكثر نفاثا.
صوت الابتهالات الدينية والمدائح النبوية يصدح في مكان...يتبارز الباعة بأصواتهم ما بين جميل ومقبول لإغواء الأطفال وإقناع المارة بالشراء. ويجتهد أب او صديق بالنداء على من يرافق إما معلنا انه هنا أو هناك, او بالتعجل للإياب فقد تاخر الوقت.
وتسمع أغنية عاطفية هنا أو هناك وثرثرة بين الحضور كل بما يعنيه وقد يكون من باب الثرثرة.
إنها لوحة فسيفساء عدة درجات تتوسطها ساحة صغيرة نسبيا, و لوحة مضاءة بالفوانيس وحبال الزينة المضاءة بشكل خلاب, ابتهاجا برمضان المبارك وتحديا للمحتل بإسلامية وعروبة باب العامود في القدس الشريف
باب العامود أو باب دمشق ويقال له أيضا باب نابلس وهو من أهم وأجمل أبواب مدينة القدس المحتلة, ويكتسب الأهمية كونه المدخل الرئيسي للـمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، ومنه نلج إلى سوق تجاري يسمى سوق باب خان الزيت ومنه نتفرع إلى أسواق عدة منها سوق العطارين وسوق اللحامين وسوق القطانين وسوق الصاغة وسوق الحصر, ويمكن عبره الوصول إلى الحي المسيحي والمسمى حارة النصارى من الجهة اليمنى والحي الإسلامي إلى اليسار والأمام. ومن بين الأسواق المذكورة يعتبر سوق باب خان الزيت الشارع الرئيسي الذي يقطع البلدة القديمة ومن وسطها تقريبا من الشمال ويتجه نحو الجنوب، وبه نشاط تجاري مزدهر كبير ويفتح على المناطق الشمالية من المدينة.
وقبل ان تصل باب العمود عقب أدائك صلاة التراويح بالمسجد الأقصى مزدلفا تلك الأسواق العتيقة العطرة بالتوابل والحلويات والملابس, يعترضك شباب وأهل القدس الكرام بفنجان قهوة او كاسة شاي ضيافة, او قطعة حلوى مقابل الصلاة على النبي لمن حج للأقصى, غير الذي قد يكون اعترضك اثناء الدخول مقدما وجبة إفطار مجانية.
وحدهم كالغربان يشذون عن لوحة الفسيفساء يملكون أعين الثعالب الماكرة يقبضون على زناد كالذئاب المفترسة يتفرسون الوجوه ويراقبون كل خطوة ولا يثقون بكاميرات المراقبة التي تتبع خلسة خصوصية الخطوات والحركات والمزاح العفوي للمارة وعدم اكتراثهم للقلق والرعب الذي يسكن هؤلاء الغزاة وحيرة الغزاة وأسئلة الخوف والرعب من أي طينة هؤلاء المارة والجالسون في ساحة باب العامود.....
مدججين بالأسلحة المطاطية والذخيرة الحية والقنابل الدخانية والغازية والمياه الآسنة استعدادا لأي لحظة تتحول رائحة القرفة الى قرف تقذف عليهم وتهال عليهم كاسات الهال, وذاك الشاب "الكيوت" الذي كان يسحب نفس النرجيلة على درجات باب العامود منسجما مع أغنية عاطفية يزأر غاضبا في وجه جندي مدجج مرتجف.
عدت الى بلدة العيزية واستقليت سيارتي متجها إلى أريحا وفتحت المذياع... فدائي فلسطيني يقتحم شارع يضج بحياة الليل في مدينة تل الربيع "تل ابيب" واوهم الساسة المستوطنون هناك انهم العين الساهرة للرقص والسهر على جراح الشعب الفلسطيني. بمسدس فردي قتل وجرح عددا منهم وأقام جمهورية فلسطين الثانية لمدة عشر ساعات.....فالجمهورية الأولى أقيمت عام 1978 عندما نجحت الشهيدة دلال المغربي ومجموعة فدائيين بالإنزال على شاطئ تل الربيع واحتجاز حافلة واستمرت الجمهورية الأولى اثنتي عشر ساعة.
انه الشهيد رعد حازم الشاب الناضج المسلح بالعلم والإيمان بدينه وقضيته والذي استشهد واقفا ممتشقا سلاحه الفردي رافضا الاستسلام.
فلوحة الفسيفساء الملونة بالموسيقى والابتهالات الدينية وكرم ضيافة المقدسيين في الأزقة والطرقات وعجوز تصر للوصول للأقصى وهي متأكدة انه قد تختنق بأي لحظة بقنبلة عازية تطلقها يد مرتجف من ابتسامات المارة...
هي مقدمات الرعد الفلسطيني الحازم بأن يحيى الحياة بكل تلاوينها الجميلة بكرامة ونفس التحدي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت