يلا نحكي: التأييد والإدانة للعمليات العسكرية .... وعقلنة الخطاب الفلسطيني

بقلم: جهاد حرب

جهاد حرب.jpg
  • جهاد حرب

العمليات الأخيرة التي جرت في المدن الإسرائيلية تشير إلى تحول؛ في طبيعة العمليات من عمليات طعن ودعس كما جرت في السنوات الفارطة أيَّ منذ العام 2015 " بداية من عملية الطعن التي قام بها مهند الحلبي في مدينة القدس" إلى استخدام أسلحة نارية "كما جرى في عمليتي ضياء حمارشة في بني براك ورعد زيدان في شارع ديزنغوف بمدينة تل أبيب". وفي جغرافيا العمليات؛ حيث تركزت العمليات في السنوات الفارطة (منذ العام 2015) في مدينة القدس بشكل رئيسي وفي مناطق تجمعات المستوطنين في مفارق الطرق المنتشرة في الضفة الغربية " أيَّ الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967"، فيما تتركز العمليات الأخيرة "العام 2022" في المدن الإسرائيلية داخل الخط الأخضر التي يقل تواجد الفلسطينيين فيها. وفي قدرات منفذي العمليات الأخيرة، التي أظهرتها الصور المنقولة من العمليات ذاتها، ومهارتهم المستخدمة في التعامل السلاح المستخدم.

بالرغم من عدم القدرة على التكهن في شكل المواجهة المقبلة بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي وأدواته الاحتلالية كالمستوطنين ومداها الزمني وتوسعها الجغرافي وحجم المشاركة فيها، إلا أنَّ أيَّ موجة قادمة لن تكون مختلفة جذريا عما شاهدناه في السنوات السبع الفارطة (منذ العام 2015)؛ كاستخدام أشكال مقاومة مختلفة وأدوات مواجهة متعددة منها المواجهات الشعبية في نقاط التماس المتعددة في الضفة الغربية التي تعتمد على تواجد أعداد كبيرة من المواطنين، أو عمليات الطعن والدهس المحتملة وهي الأكثر انتشارا في الأراضي المحتلة عام 1967 التي تحتاج إلى شجاعة فردية وامكانيات محدودة، واستخدام أسلحة نارية في عمليات ضد المستوطنين أو قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية أو تنفيذ عمليات داخل إسرائيل؛ التي تحتاج إلى شجاعة فردية ومهارة استخدام السلاح وامكانيات مادية وقدرات تخطيط وأحياناً قراراً حزبياً.

 

تثير العمليات العسكرية داخل المدن الإسرائيلية (الخط الأخضر) نقاشاً فلسطينياً داخلياً حاداً يتركز على الموقف من هذه العمليات بين مؤيدٍ ومعارضٍ لها، وكلاهما لديهما وجهة نظر يمكن تفهمها نقاشاً وتحليلاً وأبعاداً؛ فالمؤيدون يسوقون عدداً من الأسباب التي تدعم وجهة نظرهم منها؛ أولاً: أنَّ حجم القتلى الذين يسقطون في مثل هكذا عمليات يشفي غليل الفلسطينيين وغضبهم على الاحتلال وجرائمه المستمرة بحقهم؛ التي تجري بشكل يومي سواء قيام جيش الاحتلال بقتل شبان فلسطينيين واغتيالهم أو اعتقالهم، والاقتحامات للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، والاستيلاء على ثروات الشعب الفلسطيني، وحماية جرائم المستوطنين، وزيادة الاستيطان ناهيك عن غياب الأمل بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وانعدام الأفق بمستقبل واعد للشباب وتعاظم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى رؤية الفلسطينيين بشكلٍ فاضحٍ لازدواجية معايير المجتمع الدولي في دعم وتمكين الاوكرانيين بالعتاد والسلاح وجلب المسلحين للقتال ضد الجيش الروسي فيما يرفض ممارسة القانون الدولي لحماية الفلسطينيين وإنهاء الاستعمار الاحلالي الإسرائيلي،  وهي بحد ذاتها عوامل دافعة للانفجار .

وثانياً: النجاح في خرق المنظومة الأمنية الإسرائيلية بإمكانياتها اللوجستية والإلكترونية وفشل جدار الفصل العنصري الذي أقامته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدار العشرين عاما الماضية أمام إرادة المقاومة. وثالثاً: الحق المشروع بمقاومة الاستعمار وأدواته بما فيها المسلح للتأثير الموجع للاحتلال ومجتمعه

في المقابل المعارضون لمثل هكذا عمليات يسوقون العديد من المبررات للدفاع عن رأيهم وموقفهم منها؛ أولاً: التخوف من ردود الفعل الإسرائيلية العنيفة سواء باقتحامات واسعة للمدن والمخيمات الفلسطينية؛ مثلما حدث في العام 2002 عندما تذرع الاحتلال الإسرائيلي بالعمليات التفجيرية في المدن الإسرائيلية وقتل مدنيين اسرائيليين، وتدمير المؤسسات الفلسطينية بما فيها المؤسسة الأمنية ومقراتها.

وثانياً: التخوف من إضعاف مشروعة المقاومة الفلسطينية التي تقتضي عدم استهداف المدنيين خاصة أنَّ الفلسطينيين يستخدمون الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في روايتهم في المحافل الدولية بما فيها مؤسسات حقوق الإنسان لدفع المجتمع المدني لإدانة الإجراءات الإسرائيلية، في ظل حساسية عالية لدى المجتمع الدولي من مقتل المدنيين في المدن أو أماكن الترفيه والأسواق الشعبية وغيرها.

وثالثاً: ضخامة قدرة جهاز الدعاية الإسرائيلية على تسويق رؤيتها بإدانة النضال الفلسطيني أمام المجتمع الدولي مقابل الضعف الشديد في قدرة الفلسطينيين، المنشغلين في خلافاتهم في الوطن والشتات، في تسويق الرواية الفلسطينية.

ورابعاً: انفضاض الدعم الشعبي الدولي للشعب الفلسطيني في نضاله التحرري وتقليص حجم التأييد له خاصة أنَّ الكثير من المنظمات الاجتماعية ترفض استهداف المدنيين، وتتخوف من وسم دعم الإرهاب خاصة بعد تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لمثل هكذا عمليات.     

بغض النظر عن موقف المؤيدين والمعارضين "الإدانة" لمثل هكذا عمليات فإنَّ عقلنة الخطاب الفلسطيني الداخلي يقتضي عدم دخول الأطراف والقوى السياسية الفلسطينية في معركة جانبية داخلية لإدانة المواقف الفلسطينية المتعارضة والمتناقضة حول مشروعية أو عدم المشروعية "تأييداً وإدانةً" لهذا الشكل من النضال أو ذاك بقدر التحوط والتحضر لهجمة إسرائيلية شرسة ضد الفلسطينيين وخاصة في محافظة جنين ميدانياً، والساحة الدولية سياسياً واعلامياً لإضعاف الفلسطينيين ومؤسساتهم وتدمير مكتسباتهم السياسية والمؤسساتية.

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت