بقلم الدكتورة تفيدة الجرباوي
الطاقة التقليدية هي الملوث الرئيسي للبيئة والمساهم في تغيير المناخ، إذ إن حرقها ينتج حوالي 60% من غازات الاحتباس الحراري. تضم الطاقة التقليدية البترول والغاز الطبيعي والفحم. وهي مصادر آخذة بالنفاد بتسارع، إذ يُتوقع نضوبها مع منتصف هذا القرن. تُنتج هذه المصادر غازات سامة تضر بجميع الكائنات الحية وتلوث التربة والمياه والهواء. وعلى صعيد الإنسان، فإنها تتسبب في أمراض مزمنة ومستعصية تشمل الجهاز التنفسي والقلب والسرطان. وعلى الرغم من ذلك، فان أكثر من 40% من سكان العالم ما زالوا يعتمدون عليها كوقود لتوليد الكهرباء وللطهي والتدفئة والنقل. ويتسبب تلوث هواء المنازل الناتج عن حرق الفحم للطهي والتدفئة بوفاة حوالي 4 ملايين شخص سنوياً في العالم، معظمهم من النساء والأطفال.
تصدياً لتهديدات الاستدامة أعلاه، أكد الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة 2030 على ضرورة ابتكار بدائل حديثة للطاقة، بحيث تكون مستدامة ونظيفة وبأسعار معقولة تمكن الجميع من الوصول إليها. وقعت 173 دولة، من بينها فلسطين، على الالتزام بتحقيق مقاصد هذا الهدف، ومنذ العام 2015، تم توليد أكثر من 20% من الطاقة النظيفة في العالم من مصادر متجددة. أما فلسطين، فقد شهدت، حسب تقرير الحكومة 2021، تراجعاً في حصة الطاقة المتجددة من مجموع استهلاك الطاقة إذ بلغت 10.3% مقارنة مع حصتها التي بلغت 25% في 2003.
تُستمد الطاقة المتجددة من المصادر الطبيعية التي لا تنضب كالشمس وحركة الرياح والمياه المتدفقة وحرارة الأرض الداخلية وتيارات المد والجزر. وبما أن هذه المصادر متوفرة ومجانية وتتجدد بشكل طبيعي ومستمر ولا تساهم في تلوث البيئة، نجد أن معظم الأدبيات تستخدم مصطلح الطاقة المستدامة أو الطاقة النظيفة كرديفين لها. في المقابل يجادل البعض بأن استخدام الشمس، على سبيل المثال، كمصدر لتوليد الكهرباء هي طاقة متجددة ولكنها غير مستدامة ولا نظيفة، بدليل أنها تحتاج لتركيب ألواح شمسية على مساحات واسعة من الأراضي، كما أن مكونات الألواح وبطاريات تخزين الكهرباء تتسرب مع الزمن الى التربة وتؤدي لتلوثها. في اعتقادي أن لهذا الجدل أسباباً ضاغطة ضد عمليات التحول للطاقة المتجددة، فمن جهة المفهوم لا توجد استدامة أو نظافة مطلقة، بمعنى أن الوصول الى صفر تلوث هو صعب للغاية في حين تزداد امكانيات الاقتراب من الصفر مع زيادة تطوير التكنولوجيا والتقنيات ذات العلاقة. وهذا ما تعيه الدول القوية وهو السبب وراء تقديمها لحوافز تشجع على الابتكار في هذا المضمار. وهو ما أدى، أيضاً، الى التسارع ألأُسي الذي نشهده اليوم في تطوير تقنيات استخراج الطاقة المتجددة بكفاءة عالية.
تُشكل الطاقة المتجددة إحدى الوسائل الفاعلة في توليد الكهرباء وتوسيع نطاق إتاحته للجميع. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية ووكالات الطاقة إلى أن قدرتها على توليد الكهرباء في العالم في صعود ملموس ومستمر. في هذا السياق، ارتفعت هذه القدرة بمقدار 50% خلال العام 2020 مقارنة بالعام 2019، ومن المتوقع أن تصل الى 95% مع نهاية العام 2026. مقارنة بالطاقة التقليدية، لا تحتاج الطاقة المتجددة الى استهلاك كميات كبيرة من الماء، كما أن تكاليفها في انخفاض دائم وأسعارها منافسة. ونظراً لاعتمادها على الموارد المحلية، تساعد الطاقة المتجددة على زيادة النمو الاقتصادي وحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية، كما تساهم في خلق فرص عمل جديدة وفي تحسين النتائج الصحية ومساعي التصدي لتغير المناخ. حققت الطاقة المتجددة أسرع نمو أثناء جائحة كورونا، مثبتةً مرونتها وقدرتها على النمو والتصدي للكوارث، على عكس الطاقة التقليدية التي تأثرت سلبياً بتوقف سلاسل الإمدادات أثناء الجائحة.
على الصعيد العالمي، لا يزال عُشر سكان العالم بلا كهرباء، إلا أن الطلب عليها في تزايد مستمر، ما يدل على توفر فرص الاستثمار في الطاقة المتجددة خاصة الشمسية منها والتي يشكل الطلب عليها النسبة الأكبر، تليها طاقة الرياح. وفي عام 2021، جاءت الصين في المرتبة الأولى في انتاج الطاقة الشمسية بسعة بلغت 254.4 ألف ميجاواط أي بأكثر من 35% من السعة العالمية للطاقة الشمسية، وتبوأت أميركا المرتبة الثانية بإنتاج يمثل 10.6% ، تلتها اليابان بنسبة 9.4% ثم ألمانيا 7.5% فالهند 5.5%. وقد ساعدت سياسات تخفيض الضرائب التي وصلت إلى 26% على أنظمة الطاقة الشمسية السكنية والتجارية، في دفع الصناعة للأمام.
وعلى مستوى الدول العربية، تتنافس مصر والإمارات والمغرب والسعودية على استخدام الطاقة المتجددة. تستهدف مصر بحلول 2035 انتاج 42% من الكهرباء، منها 22% من الشمس. ومن أبرز مشروعات مصر للطاقة الشمسية مجمع بنبان الذي يوفر 10 آلاف فرصة عمل. وأعلنت الإمارات عن إنشاء أكبر محطة في العالم، في الظفرة، للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بقدرة 2 جيجاواط. وفي المغرب، تمثل القدرة الإجمالية للطاقة المتجددة 37% من قدرة الكهرباء فيها.
تشتري فلسطين، حسب بيانات سلطة الطاقة في العام 2019، 90% من الطاقة الكهربائية المستخدمة من اسرائيل و1.4% من الأردن، وينتج مصنع الطاقة، المعتمد على الغاز، في غزة 6% منها، وتُنتَج الطاقة المتجددة محلياً 2.6%. تستهلك البيوت الحجم الأكبر من الكهرباء بنسبة 64%، يليها النقل 29%، ثم الصناعة 11% صناعة، فالزراعة 1% . وتجدر الإشارة إلى أن حجم استهلاك الفرد الفلسطيني للكهرباء هو الأقل بين دول المنطقة، بينما يتمتع الفرد الإسرائيلي بالاستهلاك الأعلى والذي يبلغ 6 أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني. وقد نما حجم الطلب على الكهرباء في فلسطين بنسبة 6%.
أعلنت الحكومة الحالية عن توجهها الاستراتيجي نحو الانفكاك الاقتصادي عن اسرائيل. وعلى الرغم من الصعوبة البالغة في تحقيق ذلك ضمن الأحوال السياسية المعقدة، وعلى ضوء البيانات أعلاه، وفي ظل ندرة مصادر الطاقة التقليدية مع توفر الطاقة الشمسية، يشكل قطاع الاستثمار في الطاقة المتجددة فرصة لتخفيض اعتماد فلسطين على الكهرباء التي تستوردها من إسرائيل بأعلى الأسعار وبشروط مجحفة وبنظام متدنٍ في الجودة. فعلى الرغم من ارتفاع نسبة الفاقد وتكرار انقطاع الكهرباء ونقص قدرته في العديد من المناطق، يتراوح سعر الكهرباء ما بين 12-15 سنتاً أميركياً لكل كيلو واط.
استكمالاً لخطة عام 2012 ومنجزاتها، أكدت استراتيجية قطاع الطاقة الفلسطيني 2017-2022 على أهمية استثمار القطاع الخاص في الطاقة المتجددة. شملت إنجازات خطة العام 2012 إعداد الأبحاث، وسن التشريعات والقوانين، ووضع اللوائح وآليات بناء محطات التوليد وأحجامها وطرق ربطها على شبكات النقل. كما تضمنت آليات التعاقد ومنح التراخيص للقطاع الخاص وحوافز تشجيع الاستثمار. وعليه تم إطلاق المشاريع التجريبية التي ضمت تركيب ألواح شمسية على أسطح البيوت وإنارة بعض الطرق وتركيب أنظمة شمسية لتغطية حاجات المنشآت الصغيرة وبعض التجمعات السكنية، بالإضافة الى تركيب الألواح الشمسية على بعض المدارس والمستشفيات والجامعات. وتخطط الحكومة لرفع القدرة الإنتاجية التي راكمتها حتى عام 2020 من 120 ميجاواط لتصل إلى 300 ميجاواط حتى 2030.
بناء على الخطط الاستراتيجية السابق ذكرها، بادرت الشركات الفلسطينية للاستثمار في الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. على سبيل المثال، تستهدف شركة "قدرة"، التي تأسست بالشراكة ما بين بنك فلسطين وشركتي أيبك ونابكو، إنتاج 100 ميجا واط من الكهرباء عن طريق إنشاء عدة محطات موزعة في المدن الفلسطينية. وحسب خطتها، تعتمد "قدرة" على أحدث التقنيات والحلول، وتوظف أفضل الكفاءات والخبرات الفنية لتمكين فلسطين من الحصول على طاقة مستقرة وبأسعار تنافسية تصل إلى نصف سعر كيلو واط الكهرباء الذي تشتريه الحكومة من اسرائيل. ويستهدف برنامج "نور فلسطين" الذي أطلقه صندوق الاستثمار الفلسطيني إنتاج 200 ميجاواط موزعة على أسطح منازل في أريحا وجنين، بالإضافة الى أسطح المدارس.
تواجه مبادرات القطاع الخاص، كما تشير إليه الصحف الفلسطينية، تحديات عديدة ما زالت تعرقل التقدم في حجم الانتاج ونطاقه. وتتلخص هذه التحديات في عدم دقة المعلومات حول مساحات وملكية الاراضي اللازمة لتركيب الألواح الشمسية، ومستوى صلاحية التربة لإقامة محطات التوليد عليها ومستوى جودة الشبكات الكهربائية المستخدمة. ويعاني المستثمرون من عدم التزام الحكومة بتصريحاتها، وبالقوانين والإجراءات التي سنتها على مستوى منح التصاريح وتوقيع التعاقدات التي تكفل حقوق جميع الأطراف وتحدد التزاماتهم. ويتسبب ضعف التنظيم ما بين الجهات الكثيرة ممثلة في سلطة الطاقة والبلديات ووزارتي الاقتصاد والحكم المحلي ورئاسة الوزراء، في تأخير البدء بالمبادرات. بسبب هذه العقبات، يضطر المستثمرون إلى توقيع اتفاقيات مباشرة مع البلديات والهيئات المحلية وشركات توزيع الكهرباء، عوضاً عن الحكومة، متحملين بذلك مخاطر عدم سداد المواطنين لفواتيرهم.
تتمحور تخمينات أسباب عدم توفير الحكومة للبيئة الممكِّنة للاستثمار في الطاقة المتجددة حول عدم توفر الإرادة السياسية للتحول لها، والالتزام ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي يحتم عليها استيراد الوقود من اسرائيل، وضعف القدرة على الرقابة وإنفاذ القوانين ذات العلاقة.
الحاجة للتحول للطاقة المتجددة في فلسطين مُلَحة والإنجازات ضئيلة ومتأخرة، فهل ستغير الحكومة نهجها ومتى؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت