الحاخامات في إسرائيل تستعد لإشعال الحرب الدينية

بقلم: علي ابوحبله

يهوديان متشددان يقفان عند نقطة من جبل الزيتون وينظرون إلى البلدة القديمة في القدس المحتلة، 10 نيسان/أبريل 2022. (رويترز)
  • المحامي علي ابوحبله  

القدس باتت محور الصراع الديني ، حيث تنذر القوة الرمزية والسياسية المتزايدة للحاخامات في إسرائيل  بالانفجار فى محيط المسجد الأقصى. لطالما لعب السياسيون العلمانيون بالنيران في هذا الموقع الإسلامي المقدس، مستخدمين ادعاءات أثرية في محاولة تحويلها إلى رمز للاستحقاق اليهودي التاريخي للأرض، بما فى ذلك الأراضي المحتلة. لكن زعمهم بأن المسجد بني فوق معبدين يهوديين، تم تدمير الأخير قبل ألفى عام، ولقد تمت إعادة تشكيله بسرعة لأغراض سياسية.

إن النفوذ المتنامي لليهود المتدينين في البرلمان والحكومة والمحاكم وأجهزة الأمن يعنى أن المسئولين يصبحون أكثر جرأة في المطالبة بالسيادة على المسجد الأقصى. كما أنه ينطوي على تساهل أكبر تجاه المتطرفين الدينيين الذين يطالبون بالمزيد من السيطرة الفعلية على موقع المسجد، بمعنى آخر يريدون تدمير المسجد الأقصى واستبداله بمعبد ثالث.

لقد تحولت إسرائيل، ببطء، من مشروع استعماري ــ استيطاني ضد الفلسطينيين إلى صراع مع العالم الإسلامي الأوسع، ومن ثم فإن الصراع على القدس يقلب معادلات وجهة الصراع من صراع قومي إلى حرب دينية.

إن النمو الديموغرافى للسكان المتدينين في  الكيان الصهيوني ، وزراعة النظام المدرسي لإيديولوجية أكثر تطرفا تستند إلى الكتاب المقدس، واستيلاء مراكز دينية رئيسية على السلطة من قبل المتدينين، وظهور طبقة من الحاخامات ذوى النفوذ الذين يحثون على الإبادة الجماعية ضد  الفلسطينيين والعرب قد مهدت الطريق لعاصفة كاملة في المنطقة

وهنا تكمن معادلة الاحتلال وتخوفه وتحذيره من الانفجار في شهر رمضان المبارك ويتضمن التحذير فعلياً من نفسه، فهو يعلم تماماً ما يبيته اليمين المتطرف، الذي يشكل طرفاً أساسياً في إسرائيل اليوم، ضد المسجد الأقصى المبارك خلال عيد الفصح، وحكومة الاحتلال تعلم ما يمكن أن يجره عليها ذلك من ردٍّ شعبي فلسطيني. لكن الاحتلال يسلِّم فعلياً أنه لا يستطيع منع اعتداءات اليمين المتطرف، بل يحاول الاستعانة بأطرافٍ عربيةٍ ودوليةٍ اليوم لمنع ردود الفعل الفلسطينية فقط. وتحذيرات الاحتلال ليست في الحقيقة أكثر من محاولةٍ للحصول على ضمانةٍ لعدوانٍ بلا رد. لكن المواجهات التي تعيشها القدس منذ شهورٍ، والتصعيد الذي  تشهده  مدن الضفة الغربية خلال الأسابيع الماضية، يشير إلى احتمال أننا بتنا على أعتاب الحدث المزلزل الذي قد يقود للانفجار في القدس، وشهر رمضان لن يكون سوى البداية ،  حيث يواصل كبار الحاخامات المتطرفون استعدادهم لاقتحام المسجد الأقصى المبارك مساء يوم الجمعة 15 إبريل 2022 الموافق 14 رمضان 1443ه بزعم إحياء عيد "الفصح اليهودي" وذبح القرابين في ساحات الأقصى.

ويعد ذبح القرابين التي ينوي المتطرفون تقديمها لأول مرة في ساحات الأقصى منذ احتلال فلسطين جزء من طقوسهم الإلزامية لبدء إعادة بناء ما يُسمى الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى ، ويُشار إلى أن حاخامات المستوطنين والمدارس الدينية كثفوا خلال الأيام الماضية من اقتحام المسجد الأقصى المبارك استعدادًا لتنفيذ مخططاتهم التهويدية.

ومن بين الحاخامات المتطرفة التي تدعوا باستمرار لاقتحام الأقصى وتقديم القرابين هو الحاخام يسرائيل أريئيل، الزعيم الروحي لمنظمات الهيكل، ومؤسس “معهد الهيكل الثالث”، ورئيس “مدرسة جبل الهيكل”، إضافة إلى الحاخام يعقوب مادان، ودانيال شيلو، وشموئيل داود، ورؤوفين ازولاي، وحبرون شيلو، وإليشا ولفسون، وإلياهو ويبر، والحاخام يهودا كروز أحد قادة “السنهدرين الجديد” و”العودة الى الهيكل” وغيرها من الجماعات.

ويهدف الحاخامات المتطرفة التي تم ذكر أسمائهم "لإعادة بناء الهيكل الثالث اليهودي" المزعوم للتجهيز والتحضير لتقديم قرابين الدم ونثر دمائها على قبة السلسلة والذي يعني حسب زعمهم أنها بنيت لـ “إخفاء آثار المذبح التوراتي”. ولفتت “جماعات الهيكل المزعوم” إلى أن هناك تغييرًا جذريًا في مواقف الحاخامية العليا ووزارة أديان العدو والحاخمين الكبيرين في الكيان بخصوص بناء “الهيكل” خصوصا بأن الظروف الداخلية والدولية والإقليمية مناسبة لهذه الخطوة.

ولم يجرؤ الصهاينة على تنفيذ هذا الطقس في المسجد الأقصى من قبل؛ ولكن قاموا منذ عدة أعوام على محاولة الاقتراب أكثر فأكثر من المسجد الأقصى لتنفيذ “طقس قرابين الدم” عام 2014، قُدمت في قرية لفتا المقدسية المهجّرة، وعام 2015 بمستوطنة “شيلو” شمال رام الله، ثم اقتربت عام 2016 أكثر من الأقصى وقدمت قرابين الدم في منطقة جبل الزيتون بالقدس، لتصل عام 2017 عند ما يُسمى “كنيس الخراب” في حارة المغاربة بالبلدة القديمة، وعام 2018 قُدمت عند القصور الأموية قرب سور المسجد الأقصى الجنوبي.

وفي عام 2019 تم تقديمها في البلدة القديمة بالقرب من “سوق اللحامين” المطل على المسجد الأقصى، وتوقف هذا الطقس ألتلمودي عام 2020 بسبب جائحة كورونا، وتجدد عام 2021 بتقديمه في أحد الكُنس القريبة من حائط البراق.

هذا العام ترى الجماعات المتطرفة أن هذه اللحظة المناسبة لإدخال قرابين الدم إلى الأقصى، وتحقيق حلمها بتنفيذ هذا الطقوس في رحابه.

الحدث والذي لم يجد صدى إعلاميًا كبيرا يقابله تركيز إعلامي من سلطات الاحتلال على قمع أي تواجد فلسطيني في باب العامود وتضييقات شديدة على المصلين في المسجد الأقصى والتي تهدف إلى تقليص أي وجود فلسطيني أثناء تنفيذ هذه الطقوس التلمودية ما يعني تخفيض مستويات الاحتقان والمواجهات لأدنى حدودها الممكنة.

خطورة تقديم قرابين هذا العام ذات علاقة بالزمان كمنتصف شهر رمضان والأكثر خطورة هي الجهوزية التي أعلن عنها قادة المستوطنين لإقامة القرابين حتى انهم قدموا طلبات لتصاريح لوزارة أمن داخلي العدو والجبهة الداخلية والتي أعلن أيضا رئيس وزراء حكومة الاحتلال بينت عن عدم ممانعتهم من اقتحامات المسجد الأقصى من قبل المستوطنين طوال شهر رمضان إضافة للتعهد بتأمينها وحمايتها.

وقد حُصرت الاقتحامات بالأوقات الصباحية لحشد جهود شرطة الاحتلال وجماعات الهيكل المتطرفة خلالها، وهو ما يجعل التصدي لهذه الاقتحامات أولوية أولى للدفاع عن الأقصى اليوم ، خاصة وأن مخطط المستوطنين لذبح القرابين المزعومة في المسجد الأقصى يُعدُّ  تجاوزا لكل الخطوط الحمراء وهو بمثابة ألشراره للحرب الدينية التي يشعل جذوتها حاخامات إسرائيل المتطرفين  وأن خطوة المستوطنين استفزاز لمشاعر العرب والمسلمين، ومحاوله لفرض أمر واقع جديد في المسجد الأقصى ومحيطه  وبداية للحرب الدينية المفتوحة التي يخشى من نتائجها وتداعياتها

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت