- بقلم فاضل المناصفة
قطع الاجتماع العربي الطارئ في الأردن والاتصالات الديبلوماسية الطريق أمام إيران لصب الزبت على النار وجر الفصائل المسلحة في غزة الى مواجهة عسكرية مباشرة مع الاحتلال تماما كالتي وقعت العام الماضي، وقد يتساءل البعض ما دخل إيران في فلسطين وما الذي يجعلها طرفا في المعادلة؟ ببساطة لأن إيران لا تدفع ملايين الدولارات كمرتبات وأسلحة للفصائل لمجرد أنها تريد الحفاظ على حلفائها في غزة، بل لاستعمال تلك الأسلحة في حربها ضد العدو الذي تتقاسمه مع الفلسطينيين، والا فأنها ليست مجبرة على التمويل بلا نتيجة.
لم يكن بإمكان حماس هذه المرة أن تنساق الى فتح جبهة او ان تسمح للفصائل بفتح جبهة عسكرية ضد الاحتلال لأنها تدرك تماما نبض الشارع في غزة الرافض للتصعيد ليس تهربا من نصرة الأقصى فلم يعهد على الغزيين ذلك ولكن الأزمة الاقتصادية مخلفات الحرب السابقة لاتزال تلقي بظلالها على الوضع داخل القطاع، ولهذا فانه من الغير عقلاني الدخول في مغامرة مجانية قد تقضي على ما تبقى من رصيد حماس الشعبي في غزة : لقد قرات حماس وفهمت جيدا أوراق الاحتلال في انه يريد جرها الى جولة عسكرية جديدة قد تنتهي بالضربة القاضية فور نهايتها، لقد اختارت حماس التريث والسماع للدعوات العربية التي أطلقت من الأردن بضرورة وقف التصعيد، وكان حماس تريد ان ترسل رسالة للدول العربية المقاطعة والمجتمعة لتباحث الوضع في فلسطين أنها أصبحت اعقل من ذي قبل وأنها مستعدة للسمع والطاعة .
لم تتلقى حماس والجهاد من حليفتهما ايران المكافأة اللازمة بعد معركة سيف القدس بل تركت غزة تتخبط في العديد من الأزمات الداخلية الناتجة عن الدخول في مواجهة عسكرية أفضت بالمزيد من التضييق والخناق، كما أن التصريحات السابقة في أيلول الماضي والتي أطلقها احد قادة الحرس الثوري حيث قال ان الفصائل الفلسطينية المسلحة متواجدة لحماية ايران في العمق الإسرائيلي، كشفت حقيقة نوايا ايران التي لا تتحرك في فلسطين نصرة للقضية الفلسطينية بل إزعاجا لإسرائيل وضمانا لبقاء عنصر تشويش يهدد عمقها باستمرار ويسمح لإيران بممارسة تهديد عن بعد.
لقد فهمت حماس انها في موقف اقتصادي صعب للغاية لا يمكنها من صب المزيد من الرصيد على شعبيتها التي تتآكل يوما بعد يوم جراء قساوة الأوضاع الاقتصادية على الغزيين وباتت حماس تقرأ الوضع بنوع من العقلانية لا بالانسياق نحو الرغبات في خوض التصعيد التي أصبح يهدد وجودها في غزة قبل أن يردع الاحتلال، ولهذا اختارت عدم الذهاب إلى الخيار العسكري الذي تحبذه إيران لأنه ينهك الاحتلال ويجعله يتلقى ضربات موجعة بأسلحة من صنعها، كما يوجه رسالة بأن إيران هي الأكثر تهديدا لإسرائيل وليس العكس.
لهذا لم يعد مهما لحماس الانسياق لتصعيد يخدم مصالح إيران مادامت هاته الأخيرة لا تلبي رغباتها المادية وتسعى لاستعمالها في أجندتها التي تحقق المنفعة الخاصة بها فقط، كما أم حماس بدأت تقتنع أي رد عسكري من القطاع من دون قرار سياسي شامل قد يحملها مسؤولية فشله داخليا وتبعاته خارجيا، لقد تحولت نظرة حماس الى أكثر واقعية من ذي قبل وأدركت ان الشعبية التي ستتحصل عليها بعد العملية العسكرية لن تكون كافية لردع الاحتلال وحل مشاكلها الداخلية التي تهدد كيانها ومستقبلها في القطاع .
حماس بحاجة الى خفض التصعيد عكس ما تريده ايران ولكن هذا القرار سيكون له تبعات سلبية على خزائن الجهاد والفصائل الأخرى اذ ان ايران ليست مستعدة للدفع مجددا بدون مقابل .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت