- بقلم علي بدوان
"لن أعود الى فلسطين، إلا بعد عودة أخر لاجيء فلسطيني". ربما اعتبرها البعض جملة طوباوية، أو ما أراد. مبتعداً عن التكتيك والعمل السياسي، والصراع المتدرج مع الإحتلال بكل الوسائل الممكنة في ظل وضع دولي شديد التعقيد.
لكننا نأخذ الجملة السابقة إياها، ونتناولها في سياقاتٍ مُحددة، لها علاقة بالصراع مع الإحتلال ومن وراءه بالضرابت المتتالية، من أجل حق العودة، عودة كل لاجىء فلسطين الى وطنهم، والى قراهم وبلداتهم ومدنهم. وليس باستطاعتنا أخذه في المرحلة الحالية وافقها بـــ "الضربة القاضية".
جورج حبش الوحدوي، صاحب وحدة الإرادة، والساعي لها في الساحة الفلسطينية، صاحب مقولة هامة كان يرددها باستمرار : "وحدة وحدة حتى النصر"، وبانت تلك المقولة في دورة اعلان قيام دولة فلسطين في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1989. وقبلها في مهرجان الجامعة العربية، في قاعة جمال عبد النصر في بيروت، يوم الأرض 1976، حيث قَدَّمَ خطيب المهرجان وبوجود ياسر عرفات، الدكتور جورج حبش ليلقي كلمة فلسطين، فكان رد الدكتور جورج حبش ومن على المنصة : "كلمة فلسطين لايلقيها إلاّ ياسر عرفات". فكان التصفيق الحار.
لقد ارتسمت النكبة بوقائعها في ذاكرة ووجدان جورج حبش، عندما شاهد بأم عينه، ماجرى في مناطق مدينتي اللد والرملة، والمجازر التي قامت بها عصابات (الهاجاناه) بقيادة اسحق رابين واشراف ديفيد بن غوريون مباشرة. فكانت وقائع النكبة دامغة في تكوين الشاب جورج حبش، وطاقمه التاريخي المحيط به في إطار حركة القوميين العرب، مع الدور الأب الروحي للحركة قسطنطين زريق، صاحب كتاب (معنى النكبة)، فوجد الدكتور جورج حبش في حركة القوميين العرب التي أسسها عام 1949 بين صفوف الطلبة في الجامعة الأمريكية في بيروت انطلاقاً من جمعية العروة الوثقىى في البداية، الوعاء الملائم لتجسيد أفكاره، مع وعي بضرورة تحويل حلقته الأيديولوجية الى حلقة سياسية مُنظمة للكفاح من اجل فلسطين وعودة اللاجئين، وقد اعترفت الحركة والدكتور جورج حبش بسلطة قسطنطين زريق المعنوية، فكان على كل مرشح لعضويتها أن يَدرس كتابيه : الوعي القومي (الصادر عام 1939) ومعنى النكبة (الصادر عام 1948) جنباً الى جنب مع كتب ساطع الحصري. وفي هذا السياق كان علي ناصر الدين صاحب دور كبير يوازي دور زريق في منهجه القومي والعاطفي، والذي قال "أن شيئاً واحداً بعينه يمحو العار، وليس يمحوه أي شيء على أخر، على الإطلاق وهو الثأر" ، فغذى فكرة النواة عن تصميم الحركة في شكل مجتمع عقائدي مُصغّر يقوم على نموذج الحارس القومي في الأمة كما الفارس الصوفي في الله. (المصدر : وثيقة داخلية، من إصدار دائرة الثقافة المركزية في الجبهة الشعبية).
وهكذا بدأت مسيرة الدكتور جورج حبش، مع الجيل التأسيسي الأول الذي اعلن قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من رحم حركة القوميين العرب، كإتلاف مع عدة قوى فلسطينية نهاية العام 1967، كأحمد اليماني، والدكتور وديع حداد، والحكم دروزة، وصالح شبل..، بقي حتى لحظاته الأخيرة، مشدوداً الى مصير كل لاجىء فلسطين في بلدان الطوق الثلاثة (لبنان + الأردن + سورية). وقد تعلقوا بمصير اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
(الصورة المرفقة : الدكتور جورج حبش في مخيم اليرموك بعد مهرجان مدرسة المنصورة والكرمل عام 1979)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت