• أزمة أوكرانيا أودت بحياة الرباعية الدولية وبكل الرهانات الفاشلة عليها
• الانقسام قائم بين سلطتين بعيداً عن الخيارات السياسية وقدمنا مبادرة لوضع نهاية لهذا الوضع المدمّر
• الحديث عن أزمة اليسار محاولة مكشوفة للتغطية على أزمة السلطة ومشروع أوسلو والحالة الانقسامية بين فتح وحماس
وصف نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الأوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة بأنها حالة انتفاضية، انطلقت في العام 2015 مع انتفاضة الشباب وثورتهم، والتي أطلق عليها الإعلام «انتفاضة السكاكين»، وأنها لا زالت متواصلة حتى الآن في موجات متتالية، لكن ما تفتقده هذه الانتفاضة هو المركز القيادي الموحد، الذي من شأنه أن يعكس التوافق على استراتيجية وطنية كفاحية، بديلة للرهان على الرباعية الدولية، التي أودت بها الأزمة في أوكرانيا.
وكان حواتمة يجيب على أسئلة الصحفي ناصر حجازي، لمجلة «الإذاعة والتلفزيون» المصرية في عددها الأخير.
وأكد حواتمة أنه منذ العام 2015، والضفة الفلسطينية، وفي القلب منها مدينة القدس، حالة انتفاضية، تتقطع أحياناً، وتتواصل أحياناً، في تفاعل نشط في مقاومة الاحتلال وفي خيار بات واضحاً، أن العملية التفاوضية تحت سقف أوسلو، قد نفقت، وأن أوسلو بات يقتصر على التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال والتبعية الاقتصادية لها، وأن سقف الاتفاق للحل الدائم لن يكون أكثر من شكل من أشكال الحكم الذاتي تحت هيمنة إسرائيل وسطوتها.
كانت للحالة الانتفاضية محطات بارزة، منها، على سبيل المثال، معركة بوابات القدس في تموز (يوليو) 2017، حين أرغمت الحركة الجماهيرية السلطة الفلسطينية على مقاطعة الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، إلى أن تزيل الشرطة الإسرائيلية البوابات الإلكترونية وكاميرات التجسس عن بوابات الأقصى. محطة أخرى تمثلت في معركة بيتا، حين نجح أبطالنا في استعادة جبل العرم من أيدي الاحتلال، وها هم الآن في انتفاضة لاستعادة جبل صبيح. كذلك شكلت معركة القدس، التي انطلقت في نيسان (إبريل) العام الماضي، وامتدت إلى أيار (مايو) في معركة سيف القدس بالصواريخ والنيران، وقدمت نموذجاً رائعاً لوحدة شعبنا في عموم فلسطين والشتات، وبكل أشكال النضال الشعبي، والمسلح والإعلامي والثقافي وغيره ... نموذج يقدمه الشعب الفلسطيني عن ماهية حرب الاستقلال ونوعيتها وخصوصيتها الفلسطينية، للخلاص من الاحتلال والاستيطان.
إذن؛ نحن في خضمّ انتفاضة، متقطعة، نعيش فصولاً، فصلاً وراء فصل، وما نعيشه الآن في القدس والضفة هو أحد هذه الفصول، لكنه ليس آخرها، بل هو يمهد لفصل قادم.
ما يعتور هذه الانتفاضة أنها تفتقر إلى المركز القيادي الموحد، الذي يرسم لها استراتيجيتها وتكتيكاتها اليومية في كافة أنحاء الوطن المحتل، وهذا ما نناضل مع باقي الإخوة على ترجمته عملاً بقرارات المجلسين الوطني والمركزي، بما فيها المجلس المركزي الأخير، من خلال العمل على إزالة الحواجز والعوائق أمام تطبيق قراراته، بالحوار، وبالضغط الجماهيري، وبالتصعيد النضالي ضد الاحتلال، وبالحرص على صون وحدة الميدان، مع التطلع نحو وحدة وطنية شاملة تنهي حالة الانقسام، وتستعيد وحدة المؤسسات، وإعادة بنائها على أسس ائتلافية ديمقراطية.
حول تداعيات الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية قال حواتمة:
نتابع باهتمام ما يجري في أوكرانيا من حرب أطرافها روسيا الاتحادية وحلفائها، والنظام الأوكراني وخلفه أوروبا والولايات المتحدة (أي الغرب عموماً)، حدث كبير سوف يكون له تداعياته الكبرى على قضيتنا أياً كانت نتائجها، النتيجة المباشرة، إن الرباعية الدولية قد ماتت ولم تعد قائمة بعد الصراع الإيراني – الروسي، والأميركي – الروسي، والأمم المتحدة والمجتمع كله بات مشغولاً بما يجري في أوكرانيا، ما يعني وضع القضية الفلسطينية على رف الانتظار في المعايير الدولية. كذلك نشأت توازنات إقليمية جديدة، عكست نفسها على العلاقة بين روسيا وإسرائيل، وإن لفترة معينة وليس في إطار التغيير الاستراتيجي.
وقال حواتمة: من هنا نستنتج أنه بات على القيادة السياسية الفلسطينية أن تسقط رهانها على مفاوضات تحت رعاية الرباعية الدولية، وأن تدرك أن الأمم المتحدة، هي البديل، أي مؤتمر دولي ترعاه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبموجب قرارات الشرعية، وليس بموجب التوافقات الإسرائيلية – الأميركية.
كذلك علينا أن نضغط على القيادة السياسية لوقف رهاناتها على الوعود الأميركية، رهاننا الأول والأخير هو على الفعل الفلسطيني، وعلى الانتفاضة والمقاومة الشعبية.
ووصف حواتمة الانقسام بأنه قائم بين سلطتين: واحدة في رام الله، والثانية في غزة، والصراع يدور بين هاتين السلطتين، تحديداً عبر اللجوء إلى شعارات ومبررات تخفي حقيقة الخلاف.
نحن في الجبهة الديمقراطية أدركنا أنه لا حل للانقسام إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار «مصالح» الطرفين، أي علينا أن تقدم حلاً للانقسام يرى فيه الطرفان ضمانة لمصالح كل منهما.
وقال حواتمة عن دور الجبهة الديمقراطية لإنهاء الانقسام: لقد أطلقنا مبادرة عشية المجلس المركزي، دعونا فيها إلى هدنة إعلامية بين الطرفين، يتلوها حوار، للوصول إلى خطوتين متوازيتين، تنفذان في توقيت موحد، بما يضمن مصالح الجميع 1- تشكيل حكومة وحدة وطنية تعيد بناء المؤسسات بين الضفة والقطاع 2– تشكيل مجلس مركزي يضم كل الفصائل (الجميع) ينتخب لجنة تنفيذية تضم الجميع، تتعاون مع رئاسة المجلس، ومع حكومة الوحدة الوطنية على تنظيم انتخابات شاملة، للمجلسين التشريعي والوطني بنظام التمثيل النسبي، وانتخابات رئاسية، وبذلك نعيد بناء نظامنا السياسي على أسس ائتلافية ديمقراطية، باعتبارنا حركة تحرر وطني، نرسم استراتيجيتنا الكفاحية وأدواتنا النضالية، ونعزز لحمتنا الوطنية في ظل م. ت. ف. ممثلنا الشرعي والوحيد في إطارها الائتلافي.
وعن الحاجة إلى الانتخابات العامة لإعادة بناء مؤسسات السلطة و م. ت. ف. قال حواتمة: عندما دعينا إلى الانتخابات العامة، للتشريعي والوطني والرئاسي، كان ذلك في إطار توافقي سبقه حوار مطوّل في القاهرة، ولم يكن هناك رفض للانتخابات من أي طرف إطلاقاً، والكل قدّم قوائمه الانتخابية لانتخابات التشريعي إلى اللجنة المركزية للانتخابات.
ما جرى أن الأخ أبو مازن؛ هو الذي ألغى الانتخابات، بذريعة رفض إسرائيل إجراءها في القدس المحتلة. هذه كانت ذريعة، إذ قدمنا العديد من الحلول التي تمكنا من تجاوز العرقلة الإسرائيلية، وقدمنا اقتراحاً أن نجعل من الانتخابات في القدس المحتلة معركة سياسية ضد دولة الاحتلال، لكن حركة فتح، ولحسابات فئوية ضيقة، ولتخوفها من خسارة الموقع الأول في الانتخابات، لجأت إلى التعطيل، ورهنت العودة إلى الانتخابات بموافقة إسرائيل.
إذن تعطيل الانتخابات تتحمل مسؤوليته رئاسة السلطة، في ظل حالة الانقسام القائمة. نحن نجدد الدعوة إلى تنظيم الانتخابات العامة، كما ذكرنا في مبادرتنا السياسية المذكورة أعلاه، والتي ما زالت موضع نقاش وحوار بيننا وبين باقي الأطراف الفلسطينية دون استثناء.
وفي نظرة جديدة إلى ما يسمى أزمة اليسار الفلسطيني أوضح حواتمة: أولاً ليس هناك يسار فلسطيني واحد، بل هناك فصائل وقوى يسارية تتباين في رؤاها وتكتيكاتها وسياساتها اليومية، كل من منظاره لمفهوم اليسار ودور اليسار.
وهذه التعددية اليسارية ليست عنواناً لأزمة، بل هي عنوان لواقع اجتماعي، يعيشه شعبنا في الوطن والشتات، وقد تلتقي أطراف (أو بعضها) مرات في محطات سياسية توافقت فيها على رؤية مشتركة، وقد تختلف في محطات أخرى، وهذا أمر طبيعي. ولنا في هذا المجال تجارب عريقة منذ مرحلة الثورة المسلحة في لبنان، وصولاً إلى مرحلة السلطة الفلسطينية تحت سقف أوسلو.
طبعاً تلتقي أطراف اليسار (مثلاً) على رفض أوسلو، والتمسك بالبرنامج السياسي، لكنها قد تختلف على تفسير بعض نقاط البرنامج المرحلي، مما يُبقي الحوار دائماً سبيلاً إلى التفاهم.
أما الحديث عن أزمة يسار، ففيها افتعال، وتجاوز للحقائق. الأزمة الحقيقية هي أزمة السلطة الفلسطينية، وأزمة مشروع أوسلو الذي وصل إلى طريق مسدود، وفشل في الوصول إلى الدولة المستقلة، وما زال أصحابه متمسكين به.
الأزمة أزمة الانقسام، الذي ألحق الدمار بالحالة الوطنية وما زال طرفا الانقسام كل منهما يلقي اللوم على الآخر، وينفي مسؤوليته عن واقع الانقسام في تزوير فاقع لواقع الحال ولحقيقته.
وأعتقد أن الحديث عن أزمة اليسار، وتجاهل أزمة السلطة، وأزمة الانقسام، ما هي إلا قضية مفتعلة. الأزمة الحقيقية هي أزمة السلطة ومشروعها السياسي. وعندما تخرج السلطة من مسار اتفاق أوسلو، نتجاوز الأزمة السياسية القائمة، أما اليسار فهو جزء أصيل من الانتفاضة الجماهيرية يقدم المناضلين، ويقدم برامج العمل الوطني والاجتماعي، ويقدم الشهداء في ميدان المجابهة في تواصل مع تاريخ مشرف.
علينا ألا ننسى أن اليسار، ممثلاً بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الذي اجترح البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي) وهو الذي دعا لاستقبال استحقاقات الانتفاضة الأولى. ولعب دوراً كبيراً في إشعال نيران الانتفاضة الثانية، ويناضل من أجل تشكيل المركز القيادي الموحد للانتفاضة الحالية لتنظيم فعلها، وتعميق خطواتها، وتطوير تكتيكاتها وأساليبها النضالية.
أما عن احتمالات العودة إلى المفاوضات؛ فقد قال حواتمة: إن العملية السياسية معطلة منذ نيسان (إبريل) 2014، حين فشلت إدارة الرئيس أوباما بإقناع إسرائيل بوقف الاستيطان لصالح عملية سياسية لم تكن متوازنة، بل كانت منحازة للجانب الإسرائيلي. حكومات إسرائيل المتعاقبة متوافقة على أن يكون الحكم الإداري الذاتي هو الحل الدائم، وأن لا يكون للفلسطينيين دولة مستقلة، مع شطب حق اللاجئين في العودة.
صفقة ترامب استجابت في كل بنودها للأهداف الإسرائيلية، بل هي صفقة إسرائيلية صاغتها أقلام أميركية، وعشنا مع إدارة ترامب أياماً صعبة اتسعت فيها دائرة التطبيع، وازدادت فيها سياسة التوسع الاستيطاني والضم الزاحف للأرض الفلسطينية، وتعرضت قضية اللاجئين لمخاطر عدة، كما تعرضت قرارات الشرعية الدولية لمحاولة النسف على يد إدارة ترامب.
إدارة بايدن سبقتها وعودها، لكنها تبينت أنها وعود كاذبة، وبات واضحاً أن إدارة بايدن لن تعطي القضية الفلسطينية اهتماماً جدياً، ولن تتعامل مع العملية السياسية قبل وصول بايدن إلى الولاية الثانية، فولايته الأولى حافلة بالعديد من الملفات التي يعتبرها أكثر أهمية من القضية الفلسطينية، لذلك طرح كحل مؤقت تقليص الصراع، أي الحل الاقتصادي باعتباره حلاً بديلاً، وهو حل لا يوفر للشعب الفلسطيني حريته وسيادته في دولة مستقلة، بل حكماً ذاتياً تحت إشراف وهيمنة سلطات الاحتلال.
وأكد حواتمة في السياق نفسه؛ أن لا عملية سياسية تلوح في الأفق، وبديلنا هو تصعيد الانتفاضة، استعادة الوحدة الداخلية، مقاومة الاحتلال، حتى تقتنع حكومات إسرائيل أن بقاءها في أرضنا مكلف، بحيث أنها لا تستطيع تحمل هذه الكلفة، ولا مخرج عندئذ إلا رحيل الاحتلال.
وحول إعادة اللحمة الفلسطينية، وما يليها من إعادة بعث القضية من جديد قال حواتمة: لقد تقدمت الجبهة بمبادرة سياسية لعموم الحالة الوطنية، وقد عرضت لكم هذه المبادرة. هنا أضيف ضرورة تعزيز علاقة الحركة الوطنية الفلسطينية بالحراكات الشعبية العربية، لمقاومة التطبيع ومقاومة التوسع الإسرائيلي الذي أخذ يمتد شرقاً وغرباً، ويهدد مصالح شعوبنا العربية، ويهدد النظام العربي الرسمي باختراقات سياسية وأمنية واقتصادية إسرائيلية خطيرة.
وختم حواتمة حواره مع «المجلة المصرية» قائلاً: نحن في مرحلة سياسية شديدة الحساسية، تشهد تحولات دولية وإقليمية كبرى، ستكون لها تداعياتها على قضيتنا الوطنية، لذا أكرر الدعوة إلى حوار وطني شامل، يضعنا جميعاً أمام واجبات قراءة هذه الحالة، وتحمل المسؤولية الوطنية، والخروج برؤية واستراتيجية سياسية موحدة، تمكّن شعبنا من التقدم إلى الأمام على طريق الفوز بحق تقرير المصير والاستقلال والسيادة، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.