أبو عاقلة .. تكتب بالدم لفلسطين

بقلم: حمزة جمال حماد

حمزة حماد
  • بقلم: حمزة حماد
  • مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي

لا سُترتها الصحفية، ولا صورتها المعروفة، ولا حضورها الميداني اللامع أيضًا، شفع لها من بطش جنود الاحتلال الإسرائيلي وقتلُها المتعمد خلال اطلاق رصاصات غادرة أصابت منطقة الرأس لفارسة قدمت خيرة سنوات عمرها في خدمة قضية شعبها عبر عملها في مجال الصحافة والإعلام على قاعدة "سنكتب بالدم لفلسطين" وذلك خلال تغطية الأحداث الجارية على الساحة إزاء اقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين شمال الضفة الفلسطينية.
بالأمس خلال ساعات الصباح الباكر، صُدم شعبنا الفلسطيني وشعوب العالم كافة بخبر استشهاد الصحفية القديرة شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة الفضائية بعد أن تعرضت لعملية اغتيال خلال تأدية دورها المهني والوطني في الكشف عن بشاعة وإجرام هذا المحتل الذي بات يستهدف المدنيين العزل، لا سيما الصحفيين جزء منهم. والسعي نحو إخماد حقيقة ما يجري من عمليات قتل واعتقال وارهاب منظم بحق شعبنا في مناطق الضفة المحتلة ومدينة القدس العاصمة الأبدية.
هل تعلمون من هي شيرين أبو عاقلة؟ هذه الإنسانة التي دفعت ضريبةً كبيرةً في مسيرة حياتها والتي كافحت نحو 25 عامًا في سبيل الوصول إلى الحقيقة إلى أن أصبحت "أيقونة الصحافة" المحلية والعربية، واليوم برحيلها وصلت إلى العالمية من خلال حالة التضامن الكبيرة، والإدانات الواسعة التي طالت دولة الاحتلال نتيجة ارتكابها لهذه العمليات الإجرامية من اغتيال واستهداف للصحفيين والمقرات الإعلامية سواء المحلية أو الدولية في محاولة يائسة لإخماد الحقيقة.
تأتي هذه الجريمة في توقيت حساس للغاية، ففي مثل هذه الأيام يحتفي "المجتمع الصحفي" في مختلف دول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف 3 مايو/ أيار من كل عام، لكن اللافت أيضًا وكأن هذه الحادثة الأليمة التي أوجعت ضمير أحرار العالم وقعت لتذكرنا بالواقع العصيب الذي عايشه شعبنا خلال العدوان الهمجي في شهر مايو من العام الماضي 2021م، حين تم تدمير العشرات من المقرات الإعلامية لا سيما منها الدولية، وقتل الصحفي يوسف أبو حسين، وتهديد الأبراج المدنية، وممارسة شتى الأساليب التي توضح حقيقة هذا المحتل المجرم.
في الحقيقة أصبحت لا تنفع كلمات العزاء أو الرثاء لكن عزاؤنا الوحيد هو أن تلك الفارسة استطاعت أن توصل صوت الوطن "فلسطين" إلى العالم كله، بل كشفت النقاب عن الوجه الحقيقي لهذا المحتل، الذي يُزين روايته وخطاباته الخارجية بشعارات حقوق الإنسان ومفاهيم الديمقراطية، لكن في الواقع يمارس سلوكًا فوق القانون يعبر عن إرهابه اللامحدود تجاه شعبنا الذي ينادي بالحرية والعودة والاستقلال والسيادة مثل باقي شعوب العالم.
رحلت شيرين أبو عاقلة جسدًا، لكن يبدو أن هذا العدو يجهل بأن كثير من الصحفيين أخذ من العمل على دربها مسلكًا، ومن صوتها وصورتها مُحفزًا، ومن تضحياتها عهدًا لمواصلة الطريق الذي شقته شيرين وشهداء الحقيقة من قبلها، لذلك سيبقى هذا الفعل المُتعمد من قبل الاحتلال شاهدًا على إجرامه ومُثبتًا لرواية الصحفي الفلسطيني الصادق على مسمع ومرأى العالم، بل الانسان والصحفي الفلسطيني يعلم أن حلقات المسلسل الدموي لهذا المحتل لم تكمل بعد، لكن كإعلاميين نؤمن بأن الوطن يستحق منا الكثير وعلينا حمل الأمانة حتى تحقيق الهدف.
كما أن النصوص القانونية المتعلقة في مثل هذه الوقائع واضحة لكنها تحتاج إلى المواقف الجادة والصارمة أمام من يعتدي على حقوق الصحفيين ويمارس أفعالًا عنوانها "الإرهاب"، ففي ظل حادثة اغتيال الصحفية أبو عاقلة يكون عدد الشهداء الصحفيين قد وصل نحو (48) شهيدًا، وبالتالي هذا يستدعي إلى ضرورة احترام القوانين التي تحمي الصحفيين لا سيما منها المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف التي تنص على أن الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات، أما القانون الدولي الإنساني يجعل الصحفي يتمتع بحماية مثل المدنيين وأن أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرًا، فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضًا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والإشارة هنا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (2010) بأنه يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام. إضافة إلى ذلك القرار(1738) لمجلس الأمن الدولي الذي ينص على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة، والمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، وضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (2222) الخاص بحماية الصحفيين، لضمان محاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه وعدم إفلاتهم من العقاب، وغيرها من النصوص القانونية الهامة.
يتضح مما سبق، أن حادثة اغتيال أبو عاقلة وإطلاق النار على من كل يحاول مساعدتها أو اسعافها لحظة اصابتها، عبارة عن جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك سافر لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. لذلك يجب أن يتم ملاحقة قادة الاحتلال والضغط نحو تنفيذ القانون الدولي الذي سيجبر اسرائيل ويجعلها دولة تحت القانون ويمهد لمحاسبتها. كما أيضًا، من الضروري التحذير من التعاطي مع قضايا الصحفيين من ناحية ازدواجية المعايير، والإصرار على فتح تحقيق جدي من مدعي محكمة الجنايات الدولية على غرار ما نشاهده من اهتمام في الأزمة الروسية الأوكرانية، وإهمال النداءات الأخرى وفقًا لحسابات سياسية دولية. كما بات مطلوبًا من المؤسسات الحقوقية والمنظمات الدولية أن تحشر دولة الاحتلال في الزاوية عبر إدانة هذه الجرائم البشعة، ولجمُها عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات التي تقود إلى فرض عقوبات ومقاطعة لهذه الدولة الفاشية والعنصرية، التي تمارس دورًا ليس له صلة بالقانون.
أما على الصعيد الإعلامي يجب استثمار هذا الرأي العام العربي والدولي المناصر للصحفي الفلسطيني والفاضح لرواية المحتل من خلال العمل على وقف كل أشكال التعاون في مجال العمل الإعلامي مع دولة الاحتلال التي تقوم على بث سمومها وأكاذيبها، وتضلل الرأي العام من خلالها. الأمر الذي يُحتم أن يكون لدى نقابة الصحفيين ومكونات العمل الصحفي والإعلامي الفلسطيني كافة تحرك جاد بهذا الخصوص عبر مخاطبة الجهات الإعلامية العربية والدولية وحثهم على القيام بهذه الخطوة الرامية إلى وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين، وضمان سيادة القانون بدلًا من الممارسات الفاشية التي تؤدي إلى تدمير بيئة الحريات الإعلامية وتزيد من حجم الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت