على مدخل مخيم عايدة شمال بيت لحم، يجسد مجسم ضخم مفتاح العودة، حلم كل اللاجئين، وإلى جانبه يقام مركز شباب مخيم عايدة الذي يتحضر لافتتاح مركز معلومات باللغة الانجليزية، بدعم من إحدى البلديات الفرنسية واللجنة الشعبية في المخيم.
يحكي المركز تاريخ فلسطين عبر 100 عام، وهو موجه بشكل خاص للزائرين الأجانب المهتمين بفهم القضية الفلسطينية، وطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويقدم الحقائق عن فلسطين ويكشف زيف الرواية الإسرائيلية.
المدير التنفيذي للمركز أنس أبو سرور يقول إن 10 أشخاص عملوا بشغف على تنفيذ الفكرة، بأن يتم إنشاء متحف يحاكي التاريخ الفلسطيني، لكن احتاج التنفيذ إلى تكلفة عالية، وتم التوجه لعمل مركز معلومات بأقل التكاليف وبالإمكانات المتاحة مع الحفاظ على الهدف الأساسي للفكرة، وهو تعريف المجتمع الدولي من خلال السياح الأجانب بالقضية الفلسطينية، وتسليط الضوء على قضية اللاجئين والنكبة، والتركيز على ممارسات الاحتلال الهادفة إلى تهجير شعبنا من أرضه وتطهيره عرقيا.
ويضيف "ان ما يميز مركز المعلومات عدا عن كونه يخاطب الأجانب باللغة الإنجليزية، ويبين لهم مدى عمق الجريمة التي وقعت بحقنا منذ نكبة 1948 وتبعاتها، أن كل تلك الوثائق والفيديوهات والصور والأفلام الوثائقية والجداريات، يتم عرضها داخل المخيم الفلسطيني، وهو أحد الشواهد الحية والحاضرة التي توثق صدق كل ما يعرض للزائر الأجنبي على أرض الواقع".
ويشير إلى أن المعلومات التي يتم عرضها تبدأ من الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية والزراعية التي كان ينعم بها شعبنا الفلسطيني قبل النكبة، ثم تستعرض ما جرى خلال النكبة والنكسة مرورا بانتفاضتي الحجارة والأقصى/ واتفاقية اوسلو وأخيرا الحديث عن الحروب على قطاع غزة".
ويشدد أبو سرور على أنه من المهم توضيح الرواية الفلسطينية الحقيقية للقضية الفلسطينية عامة واللاجئين وحق العودة خاصة من خلال العمل على صعيدين، الأول محليا من خلال تكريس الوعي الوطني لدى فئات الشباب والنساء والأطفال، والثاني دوليا يستهدف الأجانب، فمعظم الزوار للمركز يحركون المسيرات والاعتصامات في بلدانهم لصالح قضية شعبنا، مؤكدا أن الضغط الشعبي العالمي مهم لدعم حريتنا.
ويقول "كوني ابن مخيم فإن الأهالي في المخيمات يعانون بشدة، لأنهم يعيشون في مساحات مكتظة في ظل بنية تحتية سيئة تحت وصاية "الأونروا" وفرص عمل قليلة، ورغم كل ذلك ما زالت لديهم نظرة تفاؤلية يتوقون من خلالها للعودة لقراهم المهجرة ومؤمنين بحتمية عودتهم لا محالة".
بدوره، يقول أحد المتطوعين في المركز محمد أبو سرور، إن معظم أبناء مخيم عايدة لم يتمكنوا من زيارة قراهم المهجرة الأصلية، والتي يبلغ عددها 35 قرية، ولكنهم يتوقون للعيش فيها، مؤكدا أن ارتباطهم بقراهم جاء من خلال القصص والروايات الشفوية التي تم سماعها من الأجداد، ما أدى إلى خلق مخيلة أعمق وصورة أكبر لهذه القرى.
"إن الرواية الشفوية للأجداد عن البلاد لها أثر كبير في نفوسنا كأجيال لم تعاصر النكبة، ولم تتمتع بالعيش بأماكن ولادة الأجداد، ولكن هذه الروايات عززت فينا حب التمسك والترابط، وكأننا عايشنا كل الأحداث منذ زمن" يتابع محمد.
ويضيف أنه وزملاءه نجحوا بتوثيق الكثير من الشهادات خلال العشر سنوات الماضية حول الموروث الاجتماعي والثقافي والفني والموروث الجغرافي، ما خلق جزءا مهما مما يتم تقديمه من معلومات تحمل حقائق لكل العالم.
وقال إنه تقع على كاهله وزملاءه مهمة نقل هذه الروايات إلى الأجيال القادمة، لتبقى متمسكة بحقنا بالعودة إلى أراضينا وإنهاء النكبة التي ما زال يعيش تبعاتها حتى اليوم، والمخيمات الفلسطينية أكبر دليل على ذلك.
ويوضح أنه من المهم مواكبة التطور التكنولوجي وطبيعة المحتوى الذي يتلاءم مع التقنيات الجديدة، لعرض كل المعلومات بطريقة سلسة وهادفة غير مملة سواء بالديجيتال، أو الرسم، أو الموسيقى، أو الفيديو أو غيرها، ودمجها بطريقة تؤدي الهدف المنشود.
تقول المواطنة الألمانية آرينا، التي تهتم بالتاريخ الفلسطيني أنها استطاعت من خلال الجداريات التي يعرضها المركز لأبرز محطات التاريخ الفلسطيني الاستفادة منها، وتذكيرها بالمعلومات التي قد نسيتها، خاصة أنها زارت فلسطين قبل 11 عاما، وعاشت في مخيم عايدة لأشهر، وصُدمت بالواقع حيث يستهدف جنود الاحتلال الأطفال، ويستهدف البيوت بقنابل الغاز في ظل اكتظاظ سكاني كبير.
وأضافت "وجود معلومات حول القضية الفلسطينية باللغة الإنجليزية، يسهل علينا فهم الكثير من الأحداث، هناك ضرورة للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم".
يقول الباحث الفلسطيني نضال العزة، إن وجود مراكز تقدم التاريخ الفلسطيني الجديد باللغة الإنجليزية لتخاطب الأجانب أمر غاية في الأهمية، كون الدعم العالمي للقضية الفلسطينية ينبع من شعوب الدول على اختلاف مشاربها"، مضيفا "لا يوجد إحصائية معينة لعدد المراكز التي تهتم بجمع التاريخ الفلسطيني".
وأشار إلى أن الجمعيات الناشئة بأسماء القرى المهجرة قد نشطت في العقد الأخير بتوثيق تاريخ القرية من خلال جمع الروايات والشهادات الشفوية، وجمع الصور القديمة، وعمل أفلام قصيرة عن واقع القرية الحالي، ورسم خرائط لشكل القرية كيف كانت، وعمل مجسمات ثلاثية الابعاد للقرية.
وأضاف العزة "بعض هذه الجمعيات تعاونت مع كتاب مختصين في التوثيق والتاريخ الشفوي، وقد أنتجوا كتبا توثق قراهم، مؤكدا "أن هناك ضرورة ملحة رغم مرور 74 عاما على النكبة لتوثيق الرواية الفلسطينية وحفظها بطريقة مهنية وعلمية"