- بقلم: فراس ياغي
طبيعة النظرة لما حدث غالبا تكون من خلفية كاتبها، وفي المجتمع الفلسطيني بشكل عام تكون تلك الخلفية سياسيةً في توجهاتها وحزبية أكثر من كونها وطنية عامة، وهذا شيء طبيعي فمن حق كل عضو حزبي أن يُعبر عن دعمه لإطاره وأن يُشيدَ به في حالة فوزه مثلا في الإنتخابات ومن حقه أن يَعْزي أسباب ذلك لرؤيته وهي أحيانا مُحقّة وواقعية.
في إنتخابات جامعة "بيرزيت" أخذت وجهات النظر التحليلة تأخذ أبعاداً أكثر من حجمها الحقيقي ولم أجد موضوعية وواقعية إلا في كلام الدكتور "عماد غياظة" أستاذ العلوم السياسية لراديو "أجيال" في تعقيبه وتحليلة لتلك الإنتخابات، فالطالب في بيرزيت يعيش الضفة الغربية وثلثي الطلبة من منطقة وسط الضفة الغربية "رام الله والبيرة والقدس"، وهذا وحده كفيل بوضع النقاط على الحروف في مسألة الفوز الذي حصلت عليه "الكتلة الإسلامية" بهذا الفارق الكبير، خاصة أن أحداث "القدس" في "رمضان" وبعدها في جنازة الشهداء المقدسيين "شرين أبو عاقلة ووليد الشريف" كان لها واقع تأثيري مباشر على مجمل الطلبة في الجامعة بل على مجمل الشعب الفلسطيني وبالذات في محافظات الوسط.
الكثير عاب على مناظرة الطلبة أنها كانت سياسية محضة ولم تتضمن برامج نقابية طلابية، في حين أن طبيعة المجتمع الفلسطيني المُشبع سياسيا والذي يعيش على السياسية كنتيجة لواقع الإحتلال هو الواقع الذي يتعامل معه الكل لأن البرامج النقابية يراها الطلبة ويلمسونها من نشاط الكتل الطلابية اليومي في الجامعة وأعتقد أن تنظيم "الكتلة الإسلامية" المُنضَبط والمُنَظم شكل "نموذج" للطلبة في هذا المجال، لذلك كانت السياسية عنوان إعلامي مهم لجلب المتبقي ممن لم يَحسم قراره في التصويت وفعلا أدت هذه الخطة مفعولها إعلاميا وعاطفيا من خلال الإنتشار الكبير لها في وسائل التواصل الإجتماعي، إضافة إلى تدخل الإحتلال بإعتقال كوادر "الكتلة الإسلامية" مما فاقم التوهج العاطفي أكثر وأدى إلى تلك النتيجة من حيث فارق الأصوات والمقاعد.
عادة الطلبة يبحثون عمن يساعدهم ويقف إلى جانبهم وهذا ما تقوم به مختلف الكتل الطلابية، لكن تبقى مسألة من يُشكل "نموذج" قيمي وأخلاقي مسألة مهمة جدا، فالإحترام والتعامل بإنسانية ومفهوم الحرية الفردية والفكرية مساءل مهمة جدا لدى محتلف الطلبة، وفي العام "2022" أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي تَمس بشكل لحظي كل تصرف وكل حركة لأي شخص، لذلك اصبحت الكلمة والحركة تُحسب على الشخص وإنتماءِه وتعكس نفسها بشكل كبير على مجمل المجتمع فكيف عندما يكون هذا المجتمع هو مجتمع صغير ومترابط ومتفاعل بشكل يومي ك "جامعة بير زيت"، وهنا من المهم الأخذ بعين الإعتبار مفهوم "النموذج" ومن إستطاع أن يُشكل هذا "النموذج" لدى مجتمع الطلبة.
وحينما نتحدث عن "النموذج" فإننا نقصد طبيعة التعامل اليومي في الجامعة أولا وفي محيطها الإجتماعي ثانيا، في داخل الجامعة دائما يكون "النموذج" هو الأهم لدى مختلف الطلبة وهو الحاسم في القرار عند جموع الطلبة، وأهميته تكمن بأنه مُتابَع ومُلاحَظ بقوة ويُعطي نقاط أفضلية كبرى لصالح من يتعامل معه، وفي نظرة سريعة نرى أن "الكتلة الإسلامية" حققت بشكل كبير هذا "النموذج" أمام الطلبة في وحدتها وتنظيمها وتعاملها بشكل عملي وأعطت هامش مُختلف عن السابق فكريا وعمليا، فمفهوم "الظلامية" لم يلمسه طلبة جامعة "بير زيت" من قبل مؤيدي "الكتلة الإسلامية"، بل على العكس هناك تطور كبير في عقلية التوجه لديهم أدّت إلى عدم إلتفات مُجمَل الطلبة لمفهوم "الأيديولوجية" وتأثيراتها المستقبلية، ومن جهة أخرى مفهوم "التواضع" والإحترام عكس نفسه بقوة لدى رموز وقيادة "الكتلة الإسلامية" في جامعة "بيرزيت".
بالتأكيد المسائل السياسية كانت حاضرة وبقوة، وبالتأكيد المحيط الذي يُحيط بالجامعة أيضا له تأثير كبير ويَعكس نفسه على أي "نموذج"، لكن كلّ ذلك لا يؤدي إلى هذا الفرق الواسع في عدد الأصوات والمقاعد، لأن العامل الداخلي هو الحاسم وهو المؤثر، ومهما كان الواقع المحيط سيّء، إلا أن نظرة الطلبة في الغالب تُعطي مبررات لو كان "النموذج" الداخلي لا يَعكس الواقع المحيط، وهنا على حركات "الشبيبة" الطلابية المناضلة والتي يَشهد لها الجميع في دورها في الشارع "المقاوم" وفي الدور المساعد للطلبة أن تُعيد النظر والتقييم، وعليها دائما أن لا تلتفت لمعطيات ومتطلبات المحيط ولا يكون أي قرار لها مستنداً لذلك، بل وفقا للمعطيات التي يُريدها الطلبة وبالتالي تمنع أي تأثير من هذه المؤسسة أو تلك في شؤونها الداخلية وفي مواقفها حتى لو تعارض ذلك مع توجهات المحيط.
فقط تشكيل "نموذج" في المجتمعات المنغلقة والصغيرة هو وحده الكفيل بعمل أسوار واقية من إنحطاط الواقع المحيط وتأثيراته، فالكلمة السحرية دائما وأبداً تكمن في "الإستقلالية" في الموقف والتعامل وبما يؤدي لمنع الإمتدادات القاتلة الناتجة عن ظرف موضوعي سببه الواقع السياسي المُتَمثل ب "الإحتلال" الصهيوني ودوره في فرض أجندات داخلية من خلال إستغلاله مثلا لِ "الإنقسام" ولِعبه على ذلك بما يُعزز مفاهيم لا يمكن أن تَلقى صدى لها في المجتمعات الكبيرة، فكيف إذا كان الصدى لدى "الطليعة" الثورية في المجتمع المُنغلق والتي تُمثله تلك المجتمعات الصغيرة في "الجامعات".
إن محاولة عكس "النموذج" القائم في المحيط على مجمل الكتل الطلابية في الجامعات وإستجابة تلك الكتل هو ما عكس نفسه بقوة في عملية التصويت التي أدّت إلى هذا الحجم التصويتي لِ "الكتلة الإسلامية" التي إستغَلّته بذكاء وإستطاعت خلق "نموذج" يُحاكي ما يُريده الطلبة، وعليه، فعلى حركات الشبيبة أن تُقَيّم بشكل موضوعي وبعيدا عن الإنفعالات لتصل لمفهوم "الإستقلالية" في الموقف والقرار وبما يخدم واقعها ودورها في الجامعات، لأن "الشبيبة" هي الإمتداد الحقيقي لحركة "الياسر" حركة "فتح" صاحبة القول والفصل في المقاومة ضد الإحتلال وفي مساعدة الطلبة دون نظرة ضيقة وحزبية، وهي التي دعمت وتدعم العملية "الديموقراطية" سابقا وستبقى كذلك مستقبلا، وهذا يبدأ أولا بإجراء إنتخابات داخلية أساسها منع أي تدخلات من مؤسسات السلطة فيها والسماح فقط للمرجعية التنظيمية ليكون لها الدور في التنظيم والفعل وبحيث تكون عامة لجميع المؤيديين والمناصرين للشبية الطلابية في كل جامعة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت