- فاضل المناصفة
تمخضت الانتخابات البرلمانية في لبنان مشهدا جديدا كان أبرز ما فيه داخليا تقدم حزب القوات وتقهقر حزب الله، أما خارجيا فقد خدمت النتائج المعلن عنها المسعى نحو فتح صفحة جديدة مع دول الخليج، فيما تقلص النفوذ الإيراني في البلد مع خسارة حليفه الأساسي، وما ان انتهت المعركة الانتخابية حتى بدأت معركة تراشق الاتهامات بين طرف وآخر حول تشكيلة الحكومة الجديدة، وودع ميقاتي والحكومة اللبنانية بخطة تعافي مالي واقتصادي في آخر جلساتها.
وفور الإعلان عن النتائج دخلت فرنسا والولايات المتحدة الخط من خلال زيادة الضغط على ضرورة تشكيل حكومة جديدة في أسرع الآجال يكون فيها التوافق بين اللبنانيين لمصلحة الدولة لا مصلحة الأشخاص والأحزاب، ولو أن هذه الدعوات غير صادقة ولا تهتم لحال لبنان بقدر ما تبعث بتلميحات عن ضرورة ان تحوز الحكومة الجديدة على رضى ومصالح الطرفين الدوليين، وأن يضمن المشهد السياسي في البلد الهدوء اللازم.
غياب الحريري وتيار المستقبل عن العرس الانتخابي كان انسحابا تكتيكيا تفرضه الظروف التي يمر بها البلد الذي وصل إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي : الحريري أدرك جيدا أن رصيده الشعبي قد وصل الى الإفلاس، كما أن الوضع الاقتصادي في لبنان سيلقي بظلاله على المشهد الجديد، '' البلد على الحديدة '' والحلفاء الاقليميون كانو مترددين إلى حد كبير في دعمه لضبابية المشهد، ولم تصل إشارات إيجابية كافية للدخول في المشهد السياسي الجديد، لدى فإن الحريري فضل الاكتفاء بالنظر من بعيد وهو يعلم تماما أن هذا وضع لبنان الاقتصادي، سيوثر بشكل كبير في المناخ السياسي للبلد، لدى فإن الدخول في طريق مظلم مجهول الوجهة سيضره لامحالة.
صحيح أن المشهد الجديد أحسن من سابقه وصحيح ان لبنان تخلص من العقدة النصراوية بعد أن وجه اللبنانيون صفعة قوية لحزب الله ولكن كل هذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر شيئا من حال هذا البلد البائس الذي مزقته التدخلات الخارجية والمصالح الضيقة للشخصيات السياسية العفنة برائحة المال العام؛ لبنان الآن يحتاج حلا اقتصاديا يدعم الانفراج السياسي والمشهد الجديد وغياب المال والدعم الإقليمي سيجعل التغيير يراوح مكانه وسيزيد من الأعباء التي بإمكانها ان تعود بالبلاد إلى المربع الأول من الأزمة.
تحتاج الحكومة اللبنانية القادمة إلى إعادة الثقة في مؤسسات الدولة، وخاصة الاقتصادية منها: المغتربون رقم كبير في المعادلة ومصدر مهم للعملة الصعبة التي تدعم احتياطات البلاد، هذا المصدر قد فقد الثقة كليا في نظام لبنان المصرفي وبنوكه ولم يعد هناك أمل لمغتربي لبنان في العودة إلى حضن الوطن بعد أن أجبرتهم الطبقة الاوليغارشية التي حولت البلد إلى مزرعة اقطاعية على الهروب منه، هذا المصدر المهم من العملة الصعبة يحتاج ضمانات ملموسة ليسترجع الثقة ويشارك في عملية انقاذ البلد من الزلزال الاقتصادي الذي تعرض له، هذا ما يضع الحكومة القادمة أمام تحدي كبير لإقناع اللبنانيين بالوقوف مع بلدهم وعودة الاستثمار ورؤوس الأموال الوطنية، الأمر الذي وان نجحت فيه فسيساهم بقسط كبير في تدوير عجلة التنمية الاقتصادية التي توقفت بشكل تام.
الحكومة القادمة أيضا بحاجة إلى إيجاد حلول أزمات لبنان الخارجية، ومجهود كبير للإصلاح الشرخ في العلاقات الإقليمية والدولية، وهي ضرورة قصوى بل حتمية للخروج من الأزمة الاقتصادية : إذا كان لبنان قد وصل إلى مرحلة لم يعد يملك فيها حلولا بين يديه فينبغي ان يسعى إلى ترميم علاقاته مع دول الخليج التي اختارت النأي بنفسها عن مشاكل لبنان بعد أن تعزز نفوذ حزب الله فيه وامتدت فيه يد الاجندة الإيرانية، لتستعمل مطاراته وموانه في تصدير شحنات الكابتاغون والحشيش لدول الخليج فضلا عن رعاية وتمويل المعارضة البحرينية في بيروت، هنا يجب أن تكون شجاعة حقيقة في مواجهة نفوذ حزب الله وتشويشه على علاقات لبنان فيما يخص البعد الإقليمي.
لبنان اليوم أمام مرحلة مفصلية وفرصة أخيرة لا مجال لتضييعها؛ ينبغي العمل الآن على تتبيث مكتسبات الانتخابات البرلمانية وتوفير الهدوء السياسي الذي يسمح للحكومة القادمة في التركيز على الأولويات الاقتصادية وإعطاء الفرصة لتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي قدمتها حكومة ميقاتي، وإلا فإن الأوضاع ستتجه إلى مرحلة تفكك الدولة وعودة عهد الميليشيات والكتائب،
انها بالفعل مرحلة مفصلية ستحدد بقاء الدولة أو انهيارها ومن تم تفككها إلى دويلات تحكمها الأجندات والصراعات الإقليمية: لبنان اليوم أمام حتمية البقاء كدولة أو التحول إلى صومال الشرق الأوسط.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت