واجب الأدباء والقدرة على الاستيعاب

بقلم: هادي زاهر

هادي زاهر.webp
  • هادي زاهر

بودّي في هذه المقالة أن اتطرّق إلى واجب الأدباء والفنّانين بشكلٍ عام، أيًّا كان اللّون الّذي يؤدّونه، شعرًا، نثرًا، مسرحًا، رسمًا، اخراجًا نحتًا إلخ... وكنت قد تطرّقت إلى ذلك قبيل الانتخابات، قلت بأنّه لا يجوز لأيًا من هؤلاء التّصويت للأحزاب الصّهيونيّة، لا يجوز لمن يكتب باللّغة العربيّة ويفتّش عن مجده الادبيّ أو الفنّيّ بين أبناء شعبه أن يكون مواليًا لأعداء شعبه، وبطبيعة الحال اليوم ومع انتشار وسائل التّواصل الاجتماعيّ كلّ ينضم إلى مجموعة معيّنة منها الأدبيّة الّتي ادبية تضم عددًا من الاخوة الأدباء والفنّانين، والسّؤال الجوهريّ في هذا السّياق ما هي رسالة الادباء والفنّانين؟

 الجواب واضح تمامًا وهو أنّ على الكاتب أن يكون مخلصًا لشعبهِ، يعيش ويصوّر واقعه.. يتنّفس قضاياه، يحثّ على العمل للصالح العام، يقف ضدّ الاضطهاد الّذي يتعرّض له شعبه، على الكاتب أن يكون سفيرًا لأهله أينما حل، يقف ضدّ الاحتلال إلى جانب حريّة شعبه وحقّه في تقرير مصيره وهذا هي الأسس الأوليّة لدى الأنظمة الّتي تدّعي الديمقراطيّة، الكاتب يجب أن يشعر بأنّه مسؤولًا عمّا في مجتمعه من اعوجاج ويعمل على تصحيحه، يجب أن تكون رسالته أعمق وابعد من ذلك وكما قال العظيم غاندي" اعتبر نفسي مسؤولًا عمّا في الدّنيا من مآسي ما لم أحاربها"

على الكاتب أن يمتلك ثقافة شموليّة كي لا يفقد البوصلة.. على الكاتب أن يقف ضدّ الظّلم أينما حل وحتّى بعيدًا عن الانتماء القوميّ أو المذهبيّ، وهذا هو العامل الوحيد الّذي يؤهّله ليحمل صفات الانسان الحقيقيّة، وكلّ تصرف آخر يتناقض مع كلّ القيم الأدبيّة والفنّيّة والإنسانيّة.

والآن أين هم كتّابنا من هذه المواقف؟

مؤسف جدًّا بأنّ جزءًا كبيرًا من هذه الشّريحة يعاني من النّرجسيّة ولا يعنيه سوى نفسه، تراه يتفاخر بمواهبه ويقدح في مواهب الآخرين، ما يعنينا في هذا السياق هو أنّ البعض يحلّل لنفسه ما يحرمّه على الآخرين، وبشكلٍ غير مقبول أبدًا حيث يقف إلى جانب الموقف الغير صحيح ويحاول منع نشر الموقف الصحيح، وهنا تحديدًا بودّي أن أقف عند المجموعات الأدبيّة، اذا انّي كنت عضوًا في احدى المجموعات وطلب منّي أن لا انشر ادبيّات ذات مواقف السياسيّة، هذا في حين أنّ السياسة دخلت إلى جميع مناحي حياتنا، والحقيقة انّي حاولت أن استجيب لهذا الطّلب ولكن عندما شاهدت أحد الكتّاب ينشر التّهاني ( بعيد الاستقلال) ويعبّر عن فرحته بهذا العيد قمت بنشر مقالي - الحقيقة الموجعة – والّذي تحدّثت به عن ما يسمّى (بذكرى الشّهداء) الّذين هم مجرّد ضحايا سقطوا على اعتاب أطماع حكّام إسرائيل، وذكرت عدّة معطيات عن التّعامل العنصريّ الّذي تعاني منه والوعود الكاذبة الّتي تعود على نفسها كلّ عام.

هذا المقال اثار حفيظة المحرّرين لهذه المجموعة وقاموا بحذف عضويتي، والحقيقة هي أنّي مشترك بالكثير من المجموعات اغلبيّتها السّاحقة أدخلوني دون علمي ولم اعترض.

والآن أريد أن اعود إلى الموقف الّذي على الكاتب أن لا يتبناه، ولا يجوز له أن يفرح بما يسمّى عيد الاستقلال لأنّ ذلك يتناقض حتّى مع مصلحته على الصّعيد الحالي القريب والبعيد.. يتناقض مع الذّوق السّليم لأنّ هذا الاستقلال بني على أنقاض شعبنا الّذين ذبحوا في المجازر الّتي ارتكبتها الحركة الصهيونيّة بهدف تهجيرنا.. لا يجوز الاحتفال ونشر أدبيات تصوّر الفرح بهذا العيد، وفي هذا السّياق أتذكّر الشّاعر الّذي نظّم القصيدة الّتي يقول فيها" في عيد استقلال بلادي غرّد الطّير الشّادي" ولكنّه بعد فتره أنكر تأليفه لهذه القصيدة، ونحن نأمل ممن فقد البوصلة أن تعيدوا النّظر في موقفه.. لأنّ هذه الدّولة دولة احتلال وقتل.. دولة تهجير.. دولة سلب ونهب.. دولة هدم البيوت العربيّة.. دولة تجرف الأراضي وقلع أشجار الزّيتون.. دولة حرق المحاصيل.. دولة اعتداء على الأماكن المقدّسة.. دولة الاعتداء على المصلّين.. دولة تقتل ميدانيًا دون إجراء محاكمات، تعاقب جماعيًّا بشكل لا يمت للإنسانيّة بصلة.. دولة تستعمل الأسلحة المحرمّة دوليًّا.. دولة القوانين العنصريّة، وقد خيّبت آمال حتّى من خدمها، ولكن هناك من الاذلاء ما زالوا يسيرون في فلكها بالرّغم من الصّفعات الّتي تلقّوها على خياشيمهم، ولا يبرّر ذلك بأنّ هناك أنظمة أسوأ من هذا النّظام، ولكن يبدوا بأنّ مثل هؤلاء يفتقدون القدرة على الاستيعاب وهناك من يعيش في عالمه الخياليّ وغريبة عليه هذه النّغمة، بل ويعتبرها مغالة في التّطرّف، وهذا لا يليق أبدًا بمن يعتبر نفسه كاتبًا.

 

 

 

 



 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت