- فاضل المناصفة
عرف المجتمع الفلسطيني على غرار المجتمعات العربية الأخرى ارتفاعا لحالات الطلاق بالشكل الذي يستدعي تدخل أهل الاختصاص في علم الاجتماع لدراسة الظاهرة واحتواءها، لما للتفكك الأسرى من انعكاسات سلبية على المدى الطويل قد ينشأ منها ارتفاع معدلات العنف والإجرام والتسرب المدرسي وصولا إلى تعاطي المخدرات، خاصة عندما يحدث الطلاق شرخا في التواصل الأسري وتلغى سلطة الأب على الأطفال فيصبح هؤلاء فريسة سهلة للآفات الاجتماعية.
ان المتغيرات التي شهدها المجتمع الذكوري الفلسطيني القت بظلالها على ظاهرة الطلاق بنسب متفاوتة بين حالة وأخرى من حالات الانفصال : لقد ساهم الغزو الثقافي الناتج عن التكنولوجيا الحديثة في وسائل الاتصال، ومكنت المرأة الفلسطينية من التحرر وجعلت اغلب الفتيات غير متقبلات لأن يكن مجرد ربة منزل تعيش تحت سلطة الأمر والنهي الذي يعطيها المجتمع الذكوري للرجل : المرأة المتعلمة اصبحت ترى انه من الواجب تطلب حقها في أن يكون لها كيان موازي لكيان الرجل في وأن تكون قادرة على ان تقرر وتشارك في اتخاد القرار ولا ترى في ذلك تهديدا لشخصية الرجل وسلطته الذكورية، ولكن سرعان ما يخلق هذا الأمر صراعا ما بين رغبة الرجل في الحفاظ على القوامة الشرعية والمجتمعية ورغبة المرأة في الحفاظ على شخصيتها وكيانها أمام محاولات الرجل لفرض سيطرته التامة وقد يؤدي هنا انعدام لغة الحوار في اتفه المشاكل إلى طلاق معنوي : بمعنى استمرار حالة الزواج المدني من دون وجود علاقة زوجية بالفعل تأثر على الجو الأسرى وتؤدي إلى حالات خيانة زوجية سواءا من الرجل أو المرأة، أو طلاق مدني ينتج منه دخول أطراف أخرى كالأولاد و عائلات الطرفين في قلب المشكلة.
ولا يخفى على الجميع ان الظروف الاقتصادية الصعبة لها تأثير كبير على العديد من حالات الطلاق قبل الدخول او استمرار الزواج لفترة زمنية قصيرة : إن التزامات الرجل أمام غلاء المعيشة اصبحت تقود إلى ضغوط نفسية ينجر عنها علاقة زوجية غير سليمة ومليئة بالتشنجات ويصبح فيها الزواج عبئا ثقيلا يبحث فيه الرجل عن الخلاص من المسؤولية وتبحث فيه المرأة عن الهروب من معاناة الفقر ويصبح العامل المادي سببا مباشرا في إنهاء العلاقة تحت مسميات عديدة وبما أن المرأة المطلقة تحررت من النظرة الدونية للمجتمع الذكوري، وأصبحت قادرة على تحقيق الاستقلال المادي من خلال دخولها سوق العمل، لم يعد الطلاق أو الخلع يشكل حاجزا يصعب التخطي بقدر ما هو حل لإعادة ترتيب حياتها والخروج من التجربة الفاشلة بأقل الأضرار.
سجلت غزة 4319 حالة طلاق في عام 2021 وفق الإحصائيات الرسمية للمجلس الأعلى للقضاء الشرعي بنسبة زيادة قدرت ب 23.6 % كان منها نصيب وفير لحالات الطلاق ما قبل الدخول، وسجل الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2020 ازيد من 4500 حالة في الضفة الغربية تتقدمها مدينة الخليل بأزيد من 800 حالة، ومقارنة بعدد حالات الزواج فإن الأرقام المسجلة مرتفعة وتستدعي مراجعة النصوص القانونية والأحكام في معاملات الزواج والطلاق، ويشار أن هناك العديد من الدول التي طبقت خططا تهدف لخفض معدلات الطلاق والتجربة الماليزية خير دليل حيث استطاعت هذه الأخيرة تخفيض نسبة الطلاق من 32 بالمئة الى 8 بالمئة من خلال تطبيق رخصة الزواج والتي من دونها لا يسمح للشباب في ماليزيا بالزواج، للحصول على هذه الرخصة يشترط القانون الماليزي اللجوء إلى الدورات التدريبية في مراكز مخصصة، حيث تدرس فيها مواد شرعية حول الحياة الاجتماعية قبل وبعد الزواج، وأيضا دروسا حول الحياة الصحية والنفسية والروحية للمتزوجين .
لا يعني هذا ان النموذج الماليزي قابل للتحقيق في فلسطين او غيرها من البلدان العربية، ولكن الفكرة من هذا المثال هي أنه بدل الاكتفاء في رصد الظاهرة وتحليل أسبابها ينبغي إيجاد الحلول المتناسبة مع طبيعة المجتمع ومع المتغيرات التي تحدث باستمرار فيه وتقتضي مراجعة النصوص القانونية وجعلها أكثر نجاعة من كونها مجرد مواد قانونية تضبط الإجراءات الإدارية في الزواج والطلاق والخلع.
موضوع الطلاق لا يعدو ان يكون مجرد قسمة ونصيب لدى البعض، ولكنه في الحقيقة دليل واضح عل وجود خلل في منظومة المجتمع كما أن عدم معالجتها بالطريقة الصحيحة قد تدفع بنا إلى تسجيل عدد أكبر من حالات الطلاق في السنوات القادمة ومن ثم عدد أكبر من الأطفال المتضررين نفسيا وسيترتب عن هذا بشكل أو بآخر آفات اجتماعية ناتجة عن التفكك الأسرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت